من يُطفئ النار في الشرق الأوسط؟

22 ديسمبر 2016
+ الخط -
اندلعت، في 22 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضى، نيران حرائق طبيعية، فى بعض مناطق الغابات، والمزارع، والبلدات، فى شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تقوم عليها دولة إسرائيل. وساعدت الرياح الشرقية فى انتشار الحرائق وامتدادها إلى أماكن عديدة داخل وخارج الحزام الأخضر الفاصل بين ما تعرف بأراضي 48 أو إسرائيل والقدس والضفة الغربية. وظهر في اليومين الأولين عجز دولة العدو الإسرائيلي في السيطرة على تلك الحرائق، وإطفاء النيران التي تسببت في خسائر مادية كبيرة في المزارع والمنشآت والمؤسسات، وأدت إلى إجلاء الآلاف من السكان إلى أماكن آمنة من الحرائق، فماذا كان رد الفعل الدولي والإقليمي؟ طبقاً لما أعلنته الحكومة الإسرائيلية نفسها، بعد أربعة أيام فقط من بداية اندلاع تلك الحرائق، فقد تلقت مساعدات دولية عاجلة، كان أبرزها وصول الطائرة الأميركية العملاقة الخاصة بالتعامل مع مثل تلك الحرائق "سوبر تانكر"، وهي حمولة 75 طناً من المياه والمواد المثبطة للحرائق الكبرى، وأيضاً طائرة إطفاء روسية ضخمة بحمولة 43 طناً من المياه ومواد الإطفاء، بالطبع برفقة الطواقم الفنية، بالإضافة إلى طائرات ومعدات وأطقم إطفاء خاصة من أكثر من 21 دولة، من بينها دول عربية. وبفضل كل تلك الجهود، تمت السيطرة على الحرائق، وإطفاء النيران، في دولة العدو الإسرائيلي في بضعة أيام، وعادت الحياة إلى طبيعتها، من دون خسائر فى الأرواح.
هكذا اندلعت النيران في دولة العدو الإسرائيلي. وهكذا جرى التعاون الدولي والإقليمي والعربي لإخمادها، فماذا عن النيران المشتعلة في أرجاء العالم العربي، وهل هناك من يعمل على إطفائها؟
المفارقة المؤلمة أنه بينما كانت الجهود تتسارع للسيطرة على حرائق إسرائيل، وتهرع الدول 
لتقديم المساعدات الفنية لإطفاء نيرانها، كانت هناك مدينة عربية سورية عريقة، لا تبعد كثيراً عن مناطق حرائق العدو الإسرائيلي، هى مدينة حلب، تتعرّض لحرب إبادة، يشنها نظام بشار الأسد بقوات الجيش العربي السوري، بأسلحته البرية والجوية وبراميله المتفجرة، تعاونه روسيا ليس بطائرات الإطفاء العملاقة هذه المرة. ولكن بأحدث قاذفاتها من طرازات ميغ وسوخوي، وصواريخها وقنابلها العنقودية، وتشارك قوات بشار مليشيات رئيسية من إيران، ومن حزب الله اللبناني، وغيرهما. أكثر من نصف مليون مواطن سوري مدني، بينهم أطفال ونساء ومسنون ومرضى، محاصرون في أحياء حلب الشرقية، ومعهم مقاتلو المعارضة الثورية السورية، يتعرّضون لحرب إبادة حقيقية، وتتعرض المدينة إلى تدمير شامل. وفشلت كل الجهود، والدعوات عبر المنصّات الدولية لإيقاف تلك المجازر، أو إتاحة الفرصة لمجرد تقديم الإغاثة الإنسانية للمحاصرين المدنيين، أمام إصرار (وعناد) روسيا التي أصبحت لها الكلمة العليا في سورية وعلى النظام السوري. واستمر إشعال الحرائق، وإضرام النيران، حتى اقتحمت قوات النظام، ومليشيات إيران، أحياء حلب الشرقية، وأعملت القتل والتنكيل بمن بقي فيها من دون تمييز بين مدنى أو مسلح، وأحكمت الحصار حول ما تبقى من أحياء قليلة صامدة. عند ذلك الحد، تدخلت تركيا للوساطة مع روسيا، لإيقاف المجازر في مقابل إجلاء من بقوا من مواطني حلب وأحيائها المحاصرة إلى معسكرات علاجٍ للجرحى، وإيواء للباقين توفرها تركيا؟ وتعود سيطرة نظام بشار على كل مدينة حلب، ومعه مليشيات إيران وحزب الله الطائفية، بحماية روسية؟ هكذا تشتعل النيران في أرضنا العربية، وهكذا تهدأ مخلفة آلاف الضحايا؟
تلك ليست آخر بؤر النيران في سورية التي تحولت إلى ساحةٍ لصراعاتٍ دوليةٍ وإقليميةٍ وطائفية، لا تجد من يطفئها، ولن يدفع ثمنها سوى الشعب السوري في نهاية المطاف.
هذا عن المشهد السوري بكل ما يشمله من تمزّق، وحرائقه المشتعلة، والتي لم نر من يسعى إلى إطفائها، لأن الكل يقاتل الكل. والمثير هو الغياب العربي شبه الكامل، بينما يعيش الشعب السوري "تغريبة" للملايين تفوق كثيراً تغريبة الشعب الفلسطيني في أعقاب نكبة 1948.
إذا ابتعدنا عن ذلك المشهد، واتجهنا إلى مشهدٍ مجاورٍ له في العراق. ستواجهنا جحافل من 
الجيوش، والمليشيات، والقوات المعاونة والداعمة، تبدأ بالقوات الأميركية وقوات التحالف، وهي، في جوهرها، قوات جوية، ليس من بينها بطبيعة الحال طائرات "سوبر تانكر" الخاصة بإطفاء النيران، ولكن طائرات القتال إف 16 والأباتشي والتورنيدو والميراج وغيرها، ثم الجيش العراقي الرسمي، وقوات الأمن العراقية، وجيش البشمركة الكردي، ومليشيا الحشد الشعبي الشيعي المدعوم إيرانياً، والذي يكتسب وضعاً رسمياً عبر قانون خاص، أصدره البرلمان العراقي، وقوات تركية تدعم قوات البشمركة. كل تلك الحشود العسكرية الهائلة، انطلقت تشعل حرباً، يتم الإعداد والحشد لها، على مدى نحو عامين، تحمل عنوان معركة الموصل وتحرير نينوى، وهي ثاني أكبر المحافظات العراقية، ذات الأغلبية السنّية العشائرية، من تنظيم داعش الذي أقام عليها الدولة الإسلامية، وأعلنها دولة الخلافة. بدأت الحرائق، وتزداد النيران اشتعالاً يوماً بعد يوم، ولا أحد يفكر في إطفائها، وتتكرّر مشاهد النزوح الجماعي لعشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف من العراقيين المدنيين، فيما يشبه أيضاً "تغريبة" أهل سورية، وأيضاً في ظل الصمت العربي المريب.
هناك أيضاً حرائق ونيران أخرى وكثيرة، وإن كانت بدرجات متفاوتة من حيث الشدة، وتعدّد أطراف الصراع، واختلاف الدوافع والأسباب، وتدخل، وتداخل القوى الدولية، والإقليمية، فى إذكاء نيرانها، لعل أبرزها نيران الحرب الدائرة في أرجاء اليمن، منذ نحو عامين، وحرب على مستوى أقل تدور في ليبيا، شرقها وغربها. كل تلك الحروب ونيرانها المتأججة لا تجد من يُطفئ نيرانها، وتبقى مستمرةً بلا نصر ولا هزيمة، وأيضاً صمت عربي مريب.
ويبقى السؤال معلقاً: من يُطفئ النار في الشرق الأوسط؟ وقبل الإجابة، ثمّة سؤال أكثر أهمية: من يُشعل النار في عالمنا العربي؟ ليس فقط النيران الرئيسية التي أشرنا إليها. ولكن أيضاً نيران الإرهاب الأسود التي تضرب في كل أرجاء الشرق الأوسط، من مصر إلى الأردن إلى تونس وحتى إلى تركيا. ولماذا يتصدر المشهد، سواء في سورية أو العراق، أربع قوى على وجه التحديد، اثنتان عظميان، أميركا وتليها روسيا الصاعدة من جديد، وأخريان إقليميتان كبيرتان، تركيا وإيران. وفي الخلفية، يقف العدو الإسرائيلي متربصاً، بينما الأمة، المشهورة بالعربية، مشغولة باستقبال الموسم الجديد لمسابقة "أراب أيدول".
2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.