عن التحكيم الملكي في أزمة الحكومة المغربية

16 ديسمبر 2016

الملك محمد السادس تجاهل سابقاً طلبات سابقة للتحكيم (Getty)

+ الخط -
ذهب كثيرون، من المتابعين للسياسة المغربية، في معالجتهم سيناريوهات تعقد مسار المفاوصات الهادفة إلى بناء أغلبية برلمانية جديدة، نحو طرح فكرة التحكيم الملكي مخرجاً ممكناً لتجاوز فرضية وصول مخاض تشكيل حكومة ما بعد اقتراع 7 أكتوبر إلى الباب المسدود.
لا شك في أن الذين طرحوا ذلك انطلقوا من الوعي بإحدى الخصائص التاريخية للملكية المغربية، باعتبارها مؤسسة تحكيمية بالطبيعة، فضلا عن قراءتهم الفقرة الأولى من الفصل 42 من الدستور، التي تنص على ما يلي (الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة). لكن، في الواقع، لا يتعلق الأمر بفكرة سديدة، على الأقل للأسباب الأربعة التالية:
أولاً: يتطرّق المقتضى الدستوري السابق إلى المهام السيادية والضمانية والتحكيمية التي يمارسها الملك، بوصفه رئيساً للدولة. ومن الواضح، هنا، أن الوظيفة التحكيمية المشار إليها ترتبط، وفقاً للنص، بعمل المؤسسات الدستورية للدولة. لذلك، لا يبدو الخلاف المفترض بين الأحزاب السياسية في تشكيل الأغلبية البرلمانية قابلاً لأن يكيّف بوصفه نزاعاً مؤسساتياً، وهو ما يجعله، بالتالي، لا يصلح لأن يكون موضوعاً للتحكيم الملكي.
أولاً، ما دام أن هذا الخلاف الحزبي/ الحزبي قد يؤدي، في النهاية، إلى تعذّر تشكيل الأغلبية، من دون أن يعني ذلك أننا، بالضرورة، أمام توتر بين المؤسسات الدستورية.
ثانياً: من شأن تداعيات تحكيم ملكي في موضوع بناء الأغلبية المسّ عملياً بتوازنات السلطات، كما حدّدها الدستور، ذلك أن وثيقة يوليو/ تموز 2011، وهي تعزّز المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، وتقنن للمنهجية الديمقراطية، وتنص على التنصيب البرلماني للحكومة، كانت في الواقع ترسخ المنطق البرلماني في بناء الحكومة. لذلك، من شأن انبثاق أغلبية برلمانية، بضمانة ملكية، التشويش على هذا المنطق، وعلى كل الهندسة الدستورية.
ثالثاً: ترتبط هذه الدعوة بالرهان السياسي على تأويل رئاسي للدستور، وباستبطان بعض النخب روح دستور 1996، وهي تتعامل مع دستور جديد. ذلك أن الطلب الحزبي على تحكيم ملكي في تدبير الأغلبية الحكومية يعني تجاوز الإمكانات الدستورية، التي تتيحها العلاقة "البرلمانية" بين الحكومة والسلطة التشريعية، والانتقال رأساً إلى الإمكانات التي قد يتيحها تأويل معين للعلاقة "الرئاسية "داخل السلطة التنفيدية، عبر قراءة جديدة للفصل 42، ربما من شأنها تقويض الهامش المعقول من الاستقلالية الذي تصوّرته الهندسة الدستورية للحكومة، تجاه المؤسسة الملكية، من حيث التأليف والصلاحيات، ومن حيث مسؤوليتها أساساً أمام البرلمان.
لذلك، الدعوة هنا إلى التحكيم هي، في العمق، طلب على إحياء الفصل 19 من الدساتير القديمة، والذي كان يمكّن الملك من تجاوز مقتضيات "الشرعية "الدستورية، وممارسة "الحلول" الوظيفية في مساحات ممنوحة دستورياً لمؤسسات وسلطات أخرى .
رابعاً: تواتر حالاتٍ من قلب الممارسة السياسية والدستورية لما بعد 2011 أثبت تعامل الملك بتجاهلٍ مع طلبات سابقة للتحكيم في نزاعاتٍ ذات طبيعة سياسية وحزبية، وهو ما يؤكد انتصاره للتأويل الديمقراطي للدستور، وعدم انجراره إلى محاولات جزء من النخب، والتي كانت ترمي، في العمق، إلى إخراج المؤسسة الملكية من رقعة الشرعية الدستورية.
ونذكّر هنا، على الأقل، بتلويح حزب الاستقلال، في بيان مجلسه الوطني بتاريخ 11 مايو/ أيار 2013، بموضوع التحكيم الملكي على خلفية خلافه المعلن، داخل الائتلاف البرلماني لما بعد انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، مع رئيس الحكومة، ثم دعوة أحزاب المعارضة السابقة، في ربيع 2015، الملك للتدخل في مواجهة ما اعتبرته "انزياحات "غير مقبولة في الخطاب السياسي و"الحزبي" لرئيس الحكومة.
2243D0A1-6764-45AF-AEDC-DC5368AE3155
حسن طارق

كاتب وباحث مغربي