الطائفية تلتحق بالجيش العراقي

28 نوفمبر 2016
+ الخط -
بعد مشاحنات وجدل كبير، أصدر البرلمان العراقي قانوناً يسمح لمليشيا الحشد الشعبي بالعمل تحت مظلة وحماية رسمية من الحكومة في بغداد. ليس القانون أول خطوةٍ تكرس الطائفية في عراق ما بعد الاحتلال الأميركي. فتقريباً كل الإجراءات التي تمت في ظل الاحتلال، ثم بعد خروجه، تُكرِّس الطائفية، وتزرع الفتنة بين العراقيين. بدءاً بتسريح الجيش العراقي الوطني، لمجرد أنه كان جيش صدام حسين، على الرغم من أنه لم يكن جيشاً طائفياً. مروراً بالدستور الذي أعدّته لجنة نوح فيلدمان، حيث تبنى المُحاصصة الطائفية معياراً لتوزيع السلطة، وإطاراً للعلاقة بين مكونات الشعب العراقي، انتهاء بقوانين ظاهرها مراعاة الخصوصية وباطنها تكريس الانقسام، مثل قانون النفط الذي يفترض أنه ينظم جانباً من العلاقة بين بغداد وكردستان بشأن الموارد النفطية الموجودة تحت السيطرة الكردية. فضلاً عن المدى الذي ذهبت إليه كردستان العراق في طريق الانفصال، والتعامل ككيان مستقل، أو "شبه دولة". إذ تمتلك كردستان كل ما يلزم الدولة ذات السيادة، بما في ذلك العَلَم. ولا يتبقى سوى إعلان الدولة، والحصول على مقعد في الأمم المتحدة. وهو الأمر الذي أشار إليه صراحة مسعود البرزاني مراتٍ في الأشهر القليلة الماضية. ثم جاءت الخطوة، أخيراً، من البرلمان لتضيف الطائفية العسكرية إلى بقية الأبعاد الطائفية التي يصطبغ بها الوضع العراقي.
ليست خطورة القانون الذي عرف باسم قانون الحشد الشعبي فقط في أنه يدخل مليشيات عسكرية طائفية بامتياز إلى تركيبة الجيش العراقي، ذلك أن بعض الكتائب والتكوينات المنتمية، بالفعل، إلى الجيش العراقي تحظى بانسجام طائفي مذهبي أو عرقي داخلها. لكن الخطورة الأكبر أن القانون عملياً لا يضم ميليشيا "الحشد" إلى الجيش، وإنما يمنحها غطاءً قانونياً، ويضفي مشروعية على ما تقوم به من مهام وعمليات. والفارق شاسع بين هذه وتلك، فدمج المليشيا في الجيش يعني أنها ستخضع لمقتضيات هذا الجيش، وأوامر قياداته، وستكون جزءاً من منظومة متكاملة، حتى إن احتفظ ذلك الجزء بهوية خاصة به. ما حدث غير ذلك، فالقانون لم يضم مليشيا الحشد الشعبي إلى الجيش، وإنما اعتبرها تشكيلاً عسكرياً خاصاً، يتبع القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء)، ويتلقى الأوامر منه حصرياً. فحسب نص القانون "يكون الحشد الشعبي تشكيلاً عسكريا مستقلاً، وجزءاً من القوات المسلحة العراقية". وينص القانون أيضاً على أن يتألف التشكيل من قيادةٍ وهيئة أركان وصنوفٍ وألويةٍ مقاتلة. أي يتمتع بالتنظيم والتراتبية العسكرية المستقلة الخاصة به. كما تم استثناء ذلك التشكيل من القوانين العسكرية المعمول بها، فيما يتعلق بالعمر والمؤهل التعليمي. كما لو تم توسيع نطاق الجيش، ليشمل هذه المليشيا، مع احتفاظها بتشكيلها واستقلاليتها! لتكون بمثابة كيان موازٍ للجيش، ويحظى بالمشروعية.
تفتح عسكرة الطائفية في العراق باباً واسعاً لمطالبة أي جماعةٍ طائفيةٍ مسلحة إلى المطالبة بتقنين وضعها، وإصباغ مشروعية قانونية على وجودها، فضلاً عن تزايد احتمالات تشكل مليشيات مسلحة أخرى، ذات طابع طائفي. قد تكون هذه المرة سُنّية أو تركمانية أو غير ذلك. وحينها، لن تمتلك الحكومة العراقية حجةً للرفض، أو منع هذا الأمر.
ويزيد هذا الملف تعقيداً أن البعد الطائفي حاضر بقوة في النطاق الإقليمي المحيط مباشرة بالعراق. وينعكس، بالتالي، على التفاعلات الإقليمية، سواء المتعلقة بالوضع في العراق، أو في سياق العلاقات بين العراق والدول المجاورة. مثلاً، تعتبر تركيا تغيير الموازين الطائفية في العراق أمراً يمسّ أمنها ومصالحها، خصوصاً ما يتعلق بوضعية السُّنة والتركمان، كما الحال في مدينة تلعفر، وربما لاحقاً الموصل وغيرها. عسكرة الطائفية في العراق ستحوله إلى ساحة مواجهة وصراع إقليميين، بعد أن مزقته الانقسامات الداخلية.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.