عن إصلاح في المغرب

22 أكتوبر 2016
+ الخط -
تختلف الدولة المغربية عن قريناتها، من حيث طبيعة نظام الحكم، وطرق امتداده، ومنابع استمداد شرعيته، وعكس بعض الدول الديمقراطية ذوات الأنظمة الملكية في أوروبا، حيث يكون فيها الملك بعيداً عن الحكم، إذ من الممكن المشاركة ببرامج انتخابية لإصلاح ما يراه الحزب خللاً، وحتى العراقيل قليلة إلى منعدمة هناك. لكن، في المغرب تكثر العقبات التي تجعل من الإصلاح من داخل المؤسسات غاية صعبة المنال، لوجود عراقيل شتى، دستورياً وواقعياً.
لنبدأ بإلقاء نظرة على الانتخابات الجماعية التي من المفترض أن ينتخب الشعب فيها ممثليه في الجماعات المحلية، ليخدموه في المدينة أو الجماعة. لكن، من عجائب الدولة المغربية، أنّ هذه السلطة المنتخبة، خاضعة لسلطة أخرى معيّنة، وغير منتخبة، فعلى مستوى المدن، هناك "الباشا" المعيّن، وهو الذي يصطلح عليه عندنا "بممثل السلطة المحلية"، وعلى مستوى الأقاليم، هناك "عامل الإقليم" المعيّن، والذي يتحكّم بمجالس الأقاليم المنتخبة، وعلى مستوى الجهات هناك "والي الجهة" المعيّن، الذي يتحكم بدوره "برئيس الجهة" المنتخب.
وفي الانتخابات الثانية، أي البرلمانية، هي الأخرى تحيطها العراقيل من كل الجهات، سواء داخل الحكومة، أو خارجها. من الناحية الداخلية، هناك وزارات تندرج ضمن خانة "السيادة"، وتكون مرتبطةً بالمؤسسة الملكية بشكل مباشر، ولا دخل لرئيس الحكومة فيها، وأخص بالذكر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارتي الخارجية والداخلية، ولنا مثال عن هذه الأخيرة في تعليق لرئيس الحكومة على الخلاف بين وزير الداخلية محمد حصاد، ووزير العدل والحريات مصطفى الرميد، بعد أن اختار الأخير "فيسبوك" ليشكو تسلّط الوزارة الأم، (رئيس الحكومة هو رئيس الحكومة، ولكن هاديك راه وزارة الداخلية، وما أدراك ما وزارة الداخلية، راه ما نقدرش نعاود ليكوم لخرايف البايتة...)، وما يقصده رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، هو تاريخ هذه الوزارة في عهد إدريس البصري، حيث كانت تتعامل بالحديد والنار، ولقبت آنذاك بأمّ الوزارات.
من العيوب التي تثار حول النظام الانتخابي المغربي ونمط الاقتراع، مسألة التقطيع الانتخابي، لا يسمح للحزب بالفوز بأكثر من 25% من الأصوات، ما يحتّم عليه السعي إلى البحث عن تحالفات لتشكيل الحكومة، وهذا معرقل آخر من سلسلة العراقيل التي تجعل أيّة فكرة إصلاحية مستحيلة التحقّق، لأنّه لا يمكن لأي حزب أن يطبق برنامجه الخاص، باعتبار أنّه سيشكل حكومة مع أحزاب أخرى تختلف معه في كلّ شيء، ما يستدعي تسطير برنامج آخر، وهذا يعني عدم القدرة على الوفاء بالوعود المرفوعة، والتي ربّما لأجلها صوّتت فئة من الشعب على هذا الحزب دون الآخر، فمثلاً حزب العدالة والتنمية الذي فاز بالانتخابات التشريعية بتحقيقه لـ 129صوت، بفارق 26 صوت عن صاحب المركز الثاني حزب الأصالة والمعاصرة، يتحتّم عليه البحث عن حلفاء لبلوغ الأغلبية، ما يعني الانحناء أمام صاحب المراكز، الثالث والرابع والخامس والسادس، إلى غير ذلك، الذين قد يصل الفرق بينهم إلى 100 مقعد، وكلّ هذا لكي يقنعهم بالتحالف، ما يجعل الحزب منهزماً رغم فوزه، ومنحنياً رغم اكتساحه.
يعتبر الدستور أكبر عراقيل الإصلاح، فهو في الأصل، ممنوح، ولم يتدخل الشعب أو ممثلوه في صياغته، كما أنّه يكرّس تمركز السلطات بيد المؤسسة الملكية، فالملك هو رئيس الدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، ورئيس المجلس الوزاري، ورئيس المجلس العلمي الأعلى، وهو المسؤول عن كلّ شيء في الدولة المغربية، ودور المؤسسات المنتخبة هو "المساعدة" فقط، حسب رئيس الحكومة، ولا ندري أين تتجلّى هذه المساعدة، وهذه الأخيرة في حدّ ذاتها، تدل على أنّ هناك برنامجاً في الظلّ، للطرف الأخر، أي المؤسسة الملكية، وتأتي الحكومات المتعاقبة لتساعدها على تطبيقه، ما يؤكد زيف شعارات الأحزاب، إذا، هل هذه المساعدة وحدها كافية للمضي في درب الإصلاح؟ أم أنها عقبة أخرى تصعب المهمة، بل وتجعلها مستحيلة، باعتبار أنك ستسعى لتطبيق برنامج غيرك.
يكاد الأمر يشبه الوضع في كل البلدان "العربية". وفي هذه الحالة، حاضنة التغيير هي الجماهير الشعبية، منها تنطلق صرخة الحرية والانعتاق، وبأبنائها يبدأ التغيير الحقيقي، لكن، مع ذلك، فحقاً، من النبل أن يسعى الشخص أو الحزب إلى إصلاح بلده، والمضي به، ليصنّف ضمن الكبار، في جميع المجالات، لكنّني أرى أنّه من الخطأ الاستمرار على المنوال نفسه الذي أثبتت التجارب فشله، تجريب المجرّب، وتكرّار ما ثبت أنّه لا يثمر، واللعب في حلقة مفرغة، وفي ملعب متحكّم فيه من ألفه إلى يائه، كلّ هذا لن يأتي بجديد، ما عدا الهوس بحبّ الرياسة الشكلية، ونسيان الأهداف النبيلة والضياع وسط الجاه والمال، خصوصاً حين يعلم الشخص أو الحزب أنّ الأمور كلها بيد جهة واحدة، وهي من تحتكر كلّ شيء، وأنّ هامش اللعب محدود جداً عند الأحزاب السياسية.
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
شفيق عنوري (المغرب)
شفيق عنوري (المغرب)