المغرب... على خطى فرنسا

16 يناير 2017
+ الخط -
في 14 سبتمبر/ أيلول من سنة 2010، عرض مشروع حظر غطاء الوجه (النقاب) في الأماكن العامة على مجلس الشيوخ الفرنسي، وسبق ذلك مروره على المجلس الوطني الفرنسي في 13 يوليو/ تموز 2010، وأسباب المشروع عدم قدرة الأشخاص الآخرين على معرفة هوية من يرتديه، ما يسبّب عدّة مشكلات ومخاوف من عمليات إرهابية. وفي 11 أبريل/ نيسان سنة 2011 تمّ تفعيل القرار، وحظر غطاء الوجه في الأماكن العامة في فرنسا.
وخلال السنة الماضية، منعت بلديات فرنسية ارتداء لباس السباحة "البوركيني"، قبل أن يعلّق القضاء الفرنسي القرار، بعد أن أثار جدلاً كبيراً، خصوصاً بعد انتشار صورة لشرطي يحمل سلاحه ويجبر إمرأة على خلع لباسها جزئياً على شاطئ مدينة نيس.
وفي خطوة مفاجئة لنا، مشابهة، منعت وزارة الداخلية المغربية في شخص مؤسساتها على مستوى الجماعات الترابية، إنتاج النقاب وبيعه في عدد من المدن المغربية، وقد تلقى أصحاب متاجر بيع الملابس إشعارات بذلك من الباشويات والقيادات، وتمّ إمهالهم 48 ساعة للتخلّص من منتوجاتهم من النقاب، بالإضافة إلى توقيعهم التزاماً بعدم بيعه من جديد.
يحتاج الموضوع نقاشاً من عدّة جوانب، وقبل أن نبدأ، لابدّ من التطرّق لمسألة جد مهمة، ما هو مصير أصحاب المحلات، بحيث سيتلقون خسائر فادحة، ولا بد من استحضار أنّه يوجد من لا يبيع سوى هذا اللباس، وهناك من يزيد عليه ببضع عباءات وجلابيب، فما مصيرهم؟ إجابة الباشا الذي قال لأحد التجار المتضرّرين إنّ هذه تضحيات في سبيل الوطن ليست مقنعة، التضحية في سبيل الوطن واجبة، لكن أن يتخذ قرار ارتجالي في قصر فاخر، أو مكتب مكيّف، ثم يتحمّل مسؤوليته ابن الشعب الذي يكافح غلاء المعيشة، وحصار الضرائب ليوفر لقمة العيش، فهذا لا يمكن أن يقبل به أحد، فأين مصدر الرزق البديل؟ أين التعويضات؟ قبل أن يجادل المقتنعون بشرعية النقاب من زاويتهم، وقبل أن يناقش المتيقن بأنّ القرار يمثل انتهاكاً للحياة الخاصة، يجب أن نتساءل عن البديل بالنسبة للتجار؟ فمن لم يفكر في الشخص الذي سيخسر ما يدر عليه رزقه، لا يمكن أن يقبل منه دفاعه عن شخص أخر سيخسر ملبسه، أو على الأقل لن يجد محلاً لشرائه، فمن الأولى، اللباس أم قوت العيش؟
من جانب أخر، حين أرادت فرنسا منع النقاب، مرّ القرار بـ"المجلس الوطني"، ثم "مجلس الشيوخ"، ثم بعد ما يقارب سنة بدأ "تفعيله". وهناك فرق بين منع الارتداء ومنع البيع، لكنّي أركز هنا على مراحل المصادقة على القرار. أما في المغرب، فبين ليلة وضحاها، صدر إشعار، يمهل التجار يومين لإفراغ محلاتهم من هذا اللباس، ويجبرهم على توقيع التزام بعدم بيعه مرة أخرى وإلا سيعاقبون، وهذا كلّه والحكومة لم تشكّل بعد.
هناك المزيد، ينضاف المغرب بقراره هذا الذي يمضي به في طريق منع ارتدائه إلى دول إفريقية حظرته قبله، وهي السنغال وتشاد والغابون وكونغو برازافيل، والمشترك بين هذه الدول ليس وقوع أعمال إرهابية فيها، بل هو كونها "مستعمرات فرنسية" سابقة!
فور صدور القرار في فرنسا، لحقت بها الدول التي كانت بالأمس صحناً كبيراً يأكل منه الفرنسيون، والمغرب من ضمنهم. بعد حظر الإنتاج والبيع، الداخلية تمّهد لمنع ارتدائه، فمن يدري لعل المشهد الذي حدث في شاطئ نيس السنة الماضية سيتكرّر في أحد شوارع المدن المغربية.
أسئلة تطرح نفسها، وتحمل أجوبتها في كنهها، أضعها في ختام هذه السطور؛ ألا يعد منع إنتاج وبيع النقاب تضييقاً على الحريات والحياة الخاصة للأفراد؟ وأين المدافعون عن هذا الجانب مما يحدث؟ وإن كان اللباس يستغل لمآرب أخرى، فهل القرارات الارتجالية هي الحل؟ ومتى كانت الأخيرة تعالج المشكلات؟ وما الضامن أن القرار المتخذ لن يسفر نتائج عكسية، يجني عواقبها المغاربة؟
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
B0CB5C84-828A-46C8-BC25-5C024AFBC08E
شفيق عنوري (المغرب)
شفيق عنوري (المغرب)