الديمقراطية على الطريقة الأردنية

23 يناير 2016

هل تغادر الانتخابات النيابية الأردنية نظام الصوت الواحد (نوفمبر/2007/أ.ف.ب)

+ الخط -
من المنتظر أن يناقش مجلس النواب الأردني، في دورته الحالية، مشروع قانون الانتخاب الجديد الذي تنظر له أوساط سياسية عديدة بوصفه خطوةً مهمةً على طريق التحول الديمقراطي، لأنه يخرج من نفق نظام الصوت الواحد، ويعتمد النظام النسبي والمحافظات الكبيرة، غالباً، دوائر انتخابية.
على الطرف الآخر، ترى نخب معارضة وحزبية أن مشروع القانون الجديد يتحايل على أهداف الإصلاح المطلوب، ولا يؤدي إلى ولادة أغلبياتٍ برلمانية، ويلغي القائمة الوطنية. وبالتالي، لا ينسجم مع الخطاب الملكي الذي يتحدث عن "حكومات برلمانية" في المدى القريب.
عند هذه الجدلية، يبدو السؤال المطروح والجوهري: هل هنالك نيات حقيقية لدى "مطبخ القرار" في عمّان، فعلاً، بالتحول نحو ديمقراطية نيابية؟ أو بعبارةٍ أخرى؛ ما هي "الصيغة الديمقراطية" التي يفكر فيها "مطبخ القرار"؟
قبل أعوام، وفي ذروة الربيع العربي، التقيتُ وفداً غربياً رفيع المستوى؛ فسألني أحد أعضائه؛ هل الملك جاد في التحول إلى ملكية دستورية حقيقية، لا شكلية؟ فقلتُ له: قابلتم الملك قبل أن ألتقي بكم، فهل وجهت له هذا السؤال؟ فأجاب الضيف: نعم، وكان جوابه؛ إنه يريد الوصول إلى ملكية دستورية، يحتفظ فيها بالسياسة الخارجية والدفاع والأمن والقضايا السيادية، بينما يترك للحكومة البرلمانية المسائل الداخلية، بخاصة الاقتصادية، وسيتراجع خطوتين إلى الوراء. قلتُ له: أظن أنه كان صريحاً جداً معكم فيما يفكر فيه.
ثم جاءت الأوراق النقاشية الملكية، لتشرح وجهة نظر الملك فيما يتعلق بالحكومة البرلمانية، لكن الأهم كانت التعديلات الدستورية التي أجريت لاحقاً، وأعطت الصلاحيات كاملة، حتى من ناحية شكلية ودستورية، للملك في تعيين كل من رئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة، أي وضع قضايا الدفاع والأمن بصورة كلية بيد الملك، دستورياً وسياسياً.
بالطبع، لم يكن الملك مغيّباً أو غائباً في أي مرحلة من مراحل تاريخ الأردن عن هذه القضايا السيادية، وكانت موافقة رئيس الوزراء ووزير الداخلية شكلية على تعيين مدراء هذه المؤسسات وإقالتهم، لكن دستورياً بقيت هذه السلطة مشتركة، ما كان يُسبب هواجس ومخاوف لدى مطبخ القرار من أي عملية ديمقراطية حقيقية تؤدي إلى حالة فوضى ونزاع في الأردن، شبيه بما حدث في الخمسينيات، مع الحكومة الوحيدة التي قادتها حينها الأحزاب القومية واليسارية، بقيادة سليمان النابلسي، وانتهت إلى إنهاء تلك التجربة القصيرة.
أوجدت التركيبة السياسية والجيواستراتيجية للأردن قناعة تاريخية استراتيجية راسخة لدى مطبخ القرار بأنّ السياسة الخارجية على درجة من التعقيدات والأهمية لاستقرار المملكة والأمن الوطني. وهي، أي السياسة الخارجية، مشتبكة تماماً بالأمن والدفاع، ما يعني ضرورة بقاء هذه الملفات السيادية بيد الملك، لا الحكومات، خصوصاً إذا تحدثنا عن تداول سلطة وانتخابات ديمقراطية حقيقية.
لكنّها المرة الأولى التي يجري فيها السير نحو التحول الدستوري والسياسي الهادئ والصامت، من غير ضوضاء، إلى نموذج جديد، بعد التخلص من هاجس الاستقرار السياسي، أو تأمينه خارج قواعد اللعبة الديمقراطية والحزبية، والخروج من شبح هذه المعضلة التي كانت تاريخياً ذريعة التيارات المحافظة والتقليدية ضد تغييرات ديمقراطية حقيقية.
مثل هذه التغييرات الدستورية تعني، ضمنياً، الانتقال من مفهوم النظام الملكي البرلماني إلى صيغة مشاكلة للنظام شبه رئاسي أو مختلط رئاسي برلماني، مع الفرق، بطبيعة الحال، أننا هنا أمام ملك، وليس رئيس منتخب، كما حال النظام الفرنسي الذي يتقاسم الرئيس ورئيس الوزراء فيه المسؤولية الفعلية، لكن رئيس الوزراء وحكومته هم المساءَلان أمام البرلمان.
على الرغم من تحديد المطلوب أكثر دستورياً وسياسياً، وحتى واقعياً مع الحكومة الحالية التي حجّم فيها رئيس الوزراء دوره ذاتياً، وابتعد عن ملفات الدفاع والسياسة الخارجية والقضايا السيادية، إلاّ أنّ نضوج المفهوم الجديد ما يزال مرتبطاً بخطوات أخرى، وتفاهمات وبناء تقاليد سياسية تخلق قبولاً راسخاً لدى القوى السياسية، بدلاً من انتظار مفاجآت غير سارة من انتخابات نيابيةٍ تدفع بقوى سياسية لا تقبل بهذا التقاسم، وتجادل فيه.
محمد أبو رمان
محمد أبو رمان
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأردنية والمستشار الأكاديمي في معهد السياسة والمجتمع.