حتّى لا تتحوّل "نكسةً حزبيةً"... في الأردن
قرابة شهرين يفصلان الأردنيين عن الانتخابات النيابية المفترض أن تكون مختلفة عمّا سبقها كلّه، نظراً إلى وجود القوائم الوطنية الحزبية، ولأنّها تأتي بعد قوانين الأحزاب والانتخاب، ولجنة تحديث المنظومة السياسية التي تبنّت إدماج الشباب وتعزيز المشاركة السياسية وتقوية دور الأحزاب. ومن المفترض، وفقاً لقانون الانتخاب، أن تزداد بصورة مُطَّردة مقاعد القائمة الوطنية الحزبية، حتّى تتجاوز نصف عدد أعضاء مجلس النواب بعد دورتَين انتخابيّتَين، وهو المشروع الذي يُعوَّل عليه في نقل الحياة السياسية نقلة نوعية، والانتقال بالدولة في المئوية الجديدة نحو منهج مختلف في الإدارة السياسية.
بعد عامَين على تشكيل لجنة تحديث المنظومة السياسية، وعام على تصويب الأحزاب السياسية أوضاعها، هنالك نقاش وجدل دائم ومُستمرّ في الأردن، عن مدى قدرة الأحزاب خلال هذا الوقت القصير على تحقيق المطلوب من مُهمّات، وتقديم أداء يجعل من الانتخابات المقبلة معبراً إيجابياً ومُشجّعاً على استكمال طريق التحوّل، وهي آمال تُقابلها مخاوف شديدة لدى قيادات وأوساط سياسية من أن تكون التجربة الانتخابية بمثابة نكسة للعملية الحزبية، والتحديث السياسي، مع الشعور بأنّ هنالك معاناةً لدى الأحزاب في التعامل مع عامل الوقت القصير، وما هو مطلوب منها من مهمّات كبيرة من دون توفّر الشروط والروافع لتحقيق ذلك.
ما تزال تحدّيات عديدة تواجه العمل الحزبي في الأردن، بخاصّة الأحزاب البرامجية الجديدة، إذا تجاوزنا، بطبيعة الحال، الأحزاب الأيديولوجية المعروفة، بخاصّة جبهة العمل الإسلامي (تمتلك قاعدة اجتماعية عريضة، وتستثمر في العاملَين الديني والسياسي، بخاصّة بعد عملية 7 أكتوبر، وشعبية "حماس" الجارفة لدى نسبة كبيرة من السكّان). ويُعتبَر العامل المالي أحد أكبر التحدّيات، فمن دون قدرات مالية، وتوفير احتياجات بناء العمل المؤسّسي، والحملات الإعلامية، وبناء الكوادر، وفتح مقارّ وتعيين مُوظّفين، ستكون غالبية الأحزاب غير قادرة على تأمين الحدود الدنيا المطلوبة. ومن التحدّيات غياب الثقافة الحزبية في المجتمع فترة طويلة، وصعود الهُويّات الجهوية والجغرافية في الانتخابات، وهو ما ظهر بوضوح في انتخابات الجامعات الأردنية، ما يجعل قدرة الأحزاب على بناء صيغةٍ مقبولةٍ مع العامل الاجتماعي والجغرافي مسألةً ليست بالسهلة، وتتطلّب وقتاً ومهارة.
وممّا يُعزّز حجم الصعوبات التي تواجه الأحزاب أنّ غالبية المُنضوين في الأحزاب الجديدة (محدثو الأحزاب) تعوزهم الخبرة في العمل التنظيمي والجماهيري والحزبي، وليست لديهم خلفية في هذا المجال، ما يُعقّد قدرة الأحزاب على البناء المؤسّسي والتنظيمي وتطوير القدرات الاتّصالية والرمزية والتنظيمية. ولعلّ المتابع للنشاط الحزبي في الأردن يلاحظ الصعوبات الشديدة والحسابات المُعقّدة في اختيار القوائم وتأخّر الأحزاب في إعلان قوائمها في مستوى الوطن، ووصول الأحزاب الصغيرة إلى تحالفات تُسعِفها في زيادة حظوظها، ويعود ذلك إلى حداثة عهد الأحزاب السياسية الأردنية بطريقة تشكيل القوائم الحزبية الوطنية، بهذا الحجم، إذ ما زالت جميع الأحزاب تراعي القواعد الاجتماعية الجغرافية والعشائرية في اختيار المُرشّحين وترتيب القائمة، بما يحمله ذلك من خطورة تفكّك الأحزاب والانشقاقات الداخلية.
على كلّ حال، هي صعوبات مُتوقّعة وطبيعية مع تجربة حزبية جديدة، ولا تحظى بما هو كافٍ من الموارد المالية والتنظيمية، ولا حتّى عامل الوقت، لتكون قادرةً على الدخول في منافسةٍ، ليس حزبية فقط، بل بحسابات اجتماعية وجغرافية مُعقّدة، وهو ما قد يُعطي قوّةً وزخماً لمعسكر المُشكِّكين والمُتخوِّفين من انعكاساتٍ سلبيةٍ كبيرة في العملية الحزبية بعد الانتخابات. إحدى أكثر الخسائر الفادحة أهمّية، حتّى اللحظة، القوائم الحزبية التي أعادت النُخَب السياسية نفسها، ما دفع رئيس لجنة تحديث المنظومة السياسية نفسه إلى التحذير من ردّات الفعل لدى الشارع والشباب على تغييب وجوه جديدة.
رغم كلّ تلك التحدّيات والصعوبات، هنالك إمكانية لإنقاذ التجربة الحزبية؛ ومن ضمن ذلك التصميم على انتخابات حرّة ونزيهة بالكلّية، ما يتيح للمعارضة المشاركة بفعّاليةٍ، بما ينعكس في مصداقية التغيير السياسي، وكذلك، هنالك الحملات الانتخابية، ومدى القدرة على اجتراح لغةٍ ورسائلَ سياسيةٍ تقترب من هموم الشارع وقضاياه ومشكلاته، وتحفيز الإعلام على المشاركة في تسخين المعركة الانتخابية.