تونس .. هل إعلان الطوارئ ضرورة؟

07 يوليو 2015

السبسي يستخدم حقا دستوريا وتبريره غير مقنع (18 إبريل/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
ينصّ الدستور التونسي الصادر بعد الثورة، في فصله الثمانين، على حق رئيس الجمهورية، وبالتشاور مع رئيس مجلس نواب الشعب ورئيس الحكومة، على إعلان حالة الطوارئ مدة محددة. وبغض النظر عن هذا الحق الدستوري الذي بمقتضاه أعلن الرئيس، الباجي قائد السبسي، حالة الطوارئ، فإن الخطاب الذي ألقاه بقصد تبرير القرار لم يكن مقنعاً بالصورة التي تجعل الأمر من قبيل الضرورات التي نص عليها الدستور، ونعني "حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام، وإما في حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة ". فما قدمه الرئيس من أسباب حول انتشار البطالة وارتفاع معدلات الإضراب بشكل غير محدود، أو ما حصل من عمليات إرهابية مسّت قطاع السياحة بضرر بالغ، ليست من المستجدات الطارئة في المشهد التونسي العام.
فالوضع الاجتماعي المتأزم لا يمكن التعامل معه بقوانين استثنائية، بقدر ما يتطلّب معالجة واقعية متأنية، تستوجب التواصل مع القوى الاجتماعية المؤثرة، مثل اتحاد الشغل واتحاد الأعراف وطرح القضية من خلال ما تتطلّبه من إمكانات الدولة الاقتصادية والمالية، وبصورة شفافة، حتى يقتنع الجميع بضرورة الوصول إلى هدنة اجتماعية، أصبحت ضرورية في الظرف الحالي. وبالنسبة للإرهاب، فإن المسألة على خطورتها (خصوصاً بعد عمليتي باردو وسوسة)، فإن إعلان الطوارئ لن يضيف إلى المعالجة الأمنية اللازمة شيئاً، ذلك أن الأداء الأمني المتواضع في التصدي للظاهرة يقتضي مراجعة آليات العمل، وتحديد استراتيجيا شاملة، من أجل إطاحة الشبكات الإرهابية من ناحية، وأيضاً تجفيف مصادر الإرهاب بمحاربة سبل الاستقطاب ودوافعه، وهو أمر أثبتت القرارات الحكومية الأخيرة أنها لا زالت غير قادرة على التعامل معه، فإغلاق مساجد أو إقالة أئمة ليس حلاً في أحيان كثيرة، بل قد يكون عاملاً لإيجاد مزيد من الدوافع التحريضية التي يستطيع، من خلالها، أتباع هذه المجموعات المسلحة إقناع بعض الشباب بأن الإسلام مستهدف في تونس.

ما الذي يمكن أن يحققه إغلاق مسجد ما، وكأن المشكلة في المكان، وليس في الخطاب، أو أن هذه المجموعات تستقطب من خلال المساجد، مع أن حقيقة الأمور توضح أن أساليب الاستقطاب والدعاية تجد لها سبلاً كثيرة، في ظل الثورة المعلوماتية الواسعة التي تمكّنها من التواصل، وتبليغ مواقفها لشرائح مختلفة من الشباب، فالأمر يقتضي التوافق على وضع خطة شاملة، تجمع بين الديني والثقافي والتربوي، لإقناع أكبر شريحة من الجيل الجديد بخلل الأفكار المتشددة، وخطورتها على مستقبلهم، وهو أمر يستلزم مشاركة جميع القوى السياسية والمدنية، مع الحذر من الانسياق وراء الخطاب العلماني المتطرف الذي يحوّل المعركة من حرب على الإرهاب إلى صراع مع التديّن، بمختلف أشكاله، ما يفضي، في النهاية، إلى خدمة المشروع الديني المتشدّد في صورته المقابلة. ولنا في تجربة نظام الحكم السابق الذي ركز برامجه السياسية والدعائية على محاربة التديّن، من دون تمييز، مع قبضة أمنية متشدّدة، من دون أن تحول هذه الإجراءات أمام ظهور مثل هذه المجموعات، بعيداً عن المساجد، وفي غفلة من الدولة، واستطاعت تنفيذ عمليات كبرى في حينه، مثل عملية تفجير الكنيس اليهودي في جربة سنة 2002، وما أفضى إليه من قتلى في صفوف سياح أجانب، أو حتى العملية العسكرية الكبرى التي شهدتها منطقة سليمان أواخر سنة 2005، وهي أمور أثبتت في مجملها أن الإرهاب لا يمكن محاربته بمجرد قرار فوقي من أعلى هرم السلطة، بقدر ما ينبغي أن تتكاتف الجهود لأطراف سياسية ومجتمعية مختلفة، من أجل التضييق عليه وحصره في أبعد الحدود، أما القضاء عليه تماماً، فأمر عسير في ظل ما تشهده المنطقة والعالم بأسره من تصاعد لعمليات العنف والإرهاب، لأسباب مختلفة.
جاء بيان الرئيس التونسي أشبه بإعلان عن فشل أداء الحكومة التي يرعاها، والمُشَكّلة في غالبها من المنتمين إلى حزبه، وعجزها عن تصريف الأزمات المتنوعة التي تشهدها البلاد، وهو ما يفترض التفكير جدياً في إعادة تشكيلها على أسس جديدة، وإذا كان الأمر لا يتعلّق بطبيعة أداء رئيس الحكومة نفسه، من حيث أنه لم يجد الفرصة للتصرف بصورة مريحة أمام الحضور الطاغي لبعض الوزراء، ذوي الأداء المتواضع في وزاراتهم. ومن هنا، ينبغي التركيز على جملة من الأسس المهمة. أولها، بناء حكومة على تحالف قوي، يضم الحزبين الأكثر تمثيلاً في مجلس الشعب، نداء تونس وحركة النهضة، وبما يتوافق مع الحضور البرلماني لكل منهما. ثانياً، أن يتم التركيز على الكفاءة عند تعيين الوزير، قبل منطق الأسماء، فقد ثبت فشل بعض السياسيين من ذوي الشهرة في الأداء الحكومي. ثالثاً، أن تسعى الحكومة الجديدة إلى وضع برامج محددة وواضحة، تعرضها على مجلس نواب الشعب، بعيداً عن الوعود الوردية التي لا يمكنها الإيفاء بها، وأن تحاول إيجاد صيغ للتعامل مع القوى الاجتماعية الكبرى، خصوصاً المنظمات النقابية، لإيجاد سبيل لوقف الإضرابات المنفلتة. وأخيراً، أن تفتح الأفق لحوار وطني شامل، يضم الجميع (قوى مدنية وسياسية)، بغض النظر عن حضورها في البرلمان، لأن حل المشكلات السياسية والاجتماعية الكبرى يتطلّب، قبل كل شيء، توافقاً مجتمعياً، وليس قرارات فوقية قد تؤدي إلى تأزيم الوضع العام، عوضاً عن حل الأزمات وتصريفها.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.