أميركا وتونس.. تحالف يبحث عن مبرر استراتيجي

13 يونيو 2015

أوباما والسبسي في البيت الأبيض (25 مايو/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
عالجت في المقالة السابقة العلاقة التحالفية بين إسرائيل وأميركا من جهة، وبين دول عربية وأميركا من جهة ثانية، وبينت الفوارق بين الحالتين، والانفراد الذي تحظى به إسرائيل التي تم ترقيتها إلى مصاف الشريك الاستراتيجي الأساسي للولايات المتحدة. وسأحلل هنا مغازي العلاقة التحالفية بين دول عربية وأميركا، ونحاول تفسير معاني وأسباب منح تونس صفة الحليف الأساسي للولايات المتحدة خارج الحلف الأطلسي. 

إذا كانت تقوية التحالف بين أميركا وإسرائيل تحكمه اعتبارات استراتيجية، يتقدمها الحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل في مجال الأسلحة التقليدية (فضلاً عن حماية حصريتها النووية في المنطقة) على كل جيرانها (العرب وإيران)، فإن منح دول عربية صفة الحليف الاستراتيجي يأتي وفق حسابات أضيق استراتيجياً، وهي إما لحماية الحليف العربي من "شقيقه" العربي (الكويت، الأردن) ومكافأته لتحالفه مع أميركا، ولموقفه حيال قضية أو قضايا ما (البحرين، مصر، الأردن)، وإما للإيحاء بأنه يتمتع بالمكانة نفسها التي تتمتع بها إسرائيل في الاستراتيجية الأميركية، ومكافأته أيضاً لموقفه إزاء مسائل ما (مصر، الأردن)، وإما لطمأنته بأن تحسين علاقات أميركا مع "شقيق" عربي جار، لا يتم على حسابه (منح المغرب صفة الحليف الأساسي لأميركا خارج الناتو في 2004 يهدف، بالأساس، إلى طمأنته بعد التطور النوعي والسريع للعلاقات بين الولايات المتحدة والجزائر). ومن ثم، فإنه، وفي حالة الدول العربية بدون استثناء، فإن صفة الحليف، الممنوحة للدول العربية، منعدمة المفعول في حال صراع أو مواجهة ضد إسرائيل، لأنها موجهة حصرياً ضد "الأشقاء العرب". ومن ثم أصبحت صفة الحليف الأساسي لأميركا خارج الناتو آلية أميركية لإدارة العلاقات/التوترات البينية العربية. وتعد حالة تونس التي منحتها أميركا هذه الصفة في 21 مايو/أيار 2015، الاستثناء الوحيد. وهي حالة نادرة تمنح فيها الولايات المتحدة هذه الصفة لدولة لا تعرف أزمات حادة في تخومها الإقليمية ذات البعد الدولتي. وربما هذه الحالة الجديدة تؤكد التحول في التصورات الاستراتيجية الأميركية.

اعتادت أميركا على منح دولة ما هذه الصفة بالنظر لبيئة إقليمية قلقة، تكون فيها الصراعات بين الدول مصدر القلاقل. لكن، مع منحها أفغانستان هذه الصفة، أخذت في الحسبان المصادر غير الدولتية للتهديدات (لاسيما الإرهاب) في المنطقة. والشيء نفسه يقال عن تونس، بالنظر للأزمة في ليبيا التي تحولت إلى أحد أهم معاقل الجماعات الإرهابية في شمال أفريقيا، ولتطور النشاط الإرهابي داخل الأراضي التونسية، ولاسيما في المناطق الجبلية شرق البلاد على الحدود مع الجزائر. ففي الحالة التونسية، كما في المغربية، منحت أميركا صفة الحليف لبلد بينما لا يوجد أي مبرر استراتيجي، وحتى محاربة الإرهاب لا تقتضي بالضرورة ذلك. من هذا المنظور، يبدو أن أميركا تستنسخ العمران الاستراتيجي الذي أقامته في الشرق الأوسط في المغرب العربي، بينما لا يعرف الأخير توترات استراتيجية دولتية البعد.

إذن، لماذا خصت أميركا تونس بهذه الصفة، في ظل غياب مبررات استراتيجية في بيئتها الإقليمية؟ فضلاً عن قضية الإرهاب والوضع المضطرب في ليبيا، يمكن تفسير القرار الأميركي بعاملين أساسين متكاملين نوعاً ما. أولهما افتقار أميركا إلى تصور واضح بشأن دعم الديمقراطية في تونس. لذا، لجأت إلى "عسكرة" العلاقة مخرجاً من مأزقها. فأميركا تعودت على التعامل مع التسلطية العربية، لكنها تجد نفسها، اليوم، أمام ديمقراطية عربية ناشئة في بيئة تسلطية معادية للديمقراطية (مدعومة أميركياً أيضاً). وهو انفصام استراتيجي جديد في سلوك الولايات المتحدة حيال المنطقة، والتي تعرف سياستها حالة إرباك، منذ بداية أحداث الربيع العربي. ثانيهما كون الديمقراطية التونسية، محلية المنشأ والأداء. وبالتالي، هي مستقلة تماماً عن المظلة الأجنبية. وهذا أمر لا تطمئن له لا أميركا ولا حلفاؤها العرب (المجموعة التسلطية). لذا، عمدت من خلال منح تونس صفة الحليف الأساسي خارج "الناتو" إلى ربطها، بشكل أو بآخر، بمنظومة تحالفاتها في المنطقة، حتى تراقبها عن كثب، ولتؤثر إن اقتضى الأمر على المسار الديمقراطي في البلاد، إن هو أخذ منحى استقلالياً واضحاً، لا يتوافق والمصالح الأميركية في المنطقة.
بالطبع، تمتع تونس (الديمقراطية الناشئة) بهذه الصفة لا يضرها بالضرورة، كما لا ينفعها حتماً، فالمسألة مرهونة بقدرة إدارة الحكومة التونسية تبعات هذه العلاقة "الجديدة"، خصوصاً أن المستلزم الديمقراطي المحلي (ثقل الرأي العام وصناديق الاقتراع) يحرم الحكومة التونسية من الاستئثار بمصير البلاد الاستراتيجي، عكس ما هو عليه الحال في الدول العربية التسلطية. كما يحرم، أيضاً، أميركا من توظيف المقايضة بأمن النظام.