19 أكتوبر 2019
مفوّض "لحماية نمط الحياة الأوروبية"؟
تتميز التشكيلة "الحكومية" للمفوضية الأوروبية الجديدة، برئاسة الألمانية أورسولا فون ديرلاين، وهي أول امرأة أوروبية تتبوأ هذا المنصب، باستحداث منصب "حماية نمط الحياة الأوروبي"، يتولاه اليوناني مارغاريتيس سكيناس، وهو المفوّض نفسه المكلف بملف الهجرة، ما يعني ربطاً واضحاً بين المسألتين، وهذا ما لوحظ في تصريح ديرلاين في الندوة الصحافية التي قدمت خلالها أعضاء طاقمها يوم 10 سبتمبر/ أيلول الحالي. ويثير اسم هذا المنصب جدلا في الأوساط الأوروبية، حتى قبل تنصيب المفوضية الجديدة (بعد شهر ونصف الشهر)، حيث طلب رئيس البرلمان الأوروبي، الإيطالي ديفيد ساسولي، من رئيسة المفوضية الأوروبية الجديدة القدوم إلى البرلمان لتُستفسر حول هذه التسمية. فيما اعتبر رئيس المفوضية المنتهية ولايته، جان - كلود يونكر، أنه يتعين تغيير هذا الاسم، منتقداً الفكرة القائلة بتعارض نمط الحياة الأوروبي مع الهجرة. أما المعني بالأمر، مارغاريتيس سكيناس، فأكد أن مهامه ستكون الهجرة والأمن والتربية والثقافة... وليس عباءة حارس "نمط الحياة الأوروبي".
وتتهم أحزاب اليسار والوسط في البرلمان الأوروبي ديرلاين بتبني خطاب شعبوي استمالةً لدول أوروبا الشرقية، الرافضة تماماً الهجرة وأي تضامن أوروبي (تقاسم أعباء تدفقات المهاجرين إلى التراب الأوروبي). إذ يطالب الليبراليون والاجتماعيون - الديمقراطيون بضرورة تغيير اسم هذا المنصب. فيما يتهمها الخضر بتبنّي خطاب اليمين الأوروبي المتطرّف. على العكس من ذلك، لا يرى أعضاء الحزب الشعبي الأوروبي (تكتل أحزاب اليمين داخل البرلمان الأوروبي) مبرّرا لتغيير الاسم، معتبراً أن على الأوروبيين أن يكونوا فخورين بقيمهم. فيما يعتبر بعض أعضائه أن كل هذه الضجة هي نتيجة مجرّد خطأ في الاتصال ارتكبتها ديرلاين، وأن تصوّرها لهذا المنصب غير ما يُعتقد.
نظراً لمغازي هذه التسمية، والجدال السريع الذي أثارته، ولتركيبة البرلمان الأوروبي السياسية، من المتوقع احتدام النقاش بين المفوضية الأوروبية الجديدة، اليمينية، والبرلمان الأوروبي الجديد الذي تمثل فيه التيارات المدعمة لأوروبا قوة واضحة، ما يعني أن حالة الاستقطاب السياسي ستكون قويةً على مستوى مؤسسات الاتحاد. وللحد من ذلك، ستعمل من دون شك المفوضية الجديدة على تهدئة الأمور.
قد يرى بعضهم في هذه التسمية الغريبة، في وقتٍ يعاني المواطنون الأوروبيون من تردّي
ظروفهم المعيشية، مجرد خطأ بسيط من الطاقم الجديد. ولكن على هذا المستوى السياسي، من غير المعقول تصديق هذا الطرح، فالعملية مدروسة وليست عبثية. ربما الخطأ في عدم توقع الجدل السريع وحجمه الذي ستثيره. بغض النظر عن هذا الجدل الذي سيقود حتماً إلى تغيير اسم هذا المنصب، فإن المسألة تعبر حقاً عن شرخٍ بنيويٍّ داخل دول الاتحاد الأوروبي بين قسمه الغربي، المؤسس والتاريخي، وقسمه الشرقي، حديث العضوية، حول مسألتين أساسيتين: دولة القانون والهجرة. يرى القسم الغربي أن معالجة الهجرة والتعامل معها يجب أن تبقى في إطار دولة القانون، حتى ولو كانت المقاربة أمنيةً، وأن التضامن بين دول الاتحاد الأوروبي يجب أن يكون القاعدة. أما القسم الشرقي فيقول بالعكس تماماً: لا دولة القانون مع من لا يحرم القانون (المهاجرون الذين يدخلون التراب الأوروبي بطريقة غير شرعية)، ولا تضامن، ولا تقاسم للأعباء، أوروبياً.
لا شك في أن الربط بين نمط الحياة الأوروبي والهجرة في السياق الأوروبي الحالي هو شرعنة لخطاب اليمين الأوروبي المتطرّف. صحيحٌ أن سلوكات بعض أفراد الجاليات المهاجرة في أوروبا تثير إشكالات، سيما التي تتخذ صبغة دينية، والتي يحاول أصحابها إعادة صوغ بعض قواعد الحياة اليومية، حتى تتوافق مع أهوائهم الدينية خصوصاً، بيد أن تلك السلوكات لا ترقى إلى مصاف تهديد لنمط الحياة الأوروبي، يقتضي استحداث منصب لحمايته.
كيف يمكن حماية نمط الحياة الأوروبي بحقيبة وزارية؟ نمط الحياة هو نتاج تراكمات اجتماعية تاريخية، وتطورات مجتمعية متواصلة، لا يمكن أن يحصر في حقيبة. من له المسؤولية والشرعية في تحديد مضامينه أو تغييرها؟ وهل نمط الحياة الأوروبي لمجر فيكتور أوربان هو نفسه بالنسبة لفرنسا ماكرون؟
نظراً لمغازي هذه التسمية، والجدال السريع الذي أثارته، ولتركيبة البرلمان الأوروبي السياسية، من المتوقع احتدام النقاش بين المفوضية الأوروبية الجديدة، اليمينية، والبرلمان الأوروبي الجديد الذي تمثل فيه التيارات المدعمة لأوروبا قوة واضحة، ما يعني أن حالة الاستقطاب السياسي ستكون قويةً على مستوى مؤسسات الاتحاد. وللحد من ذلك، ستعمل من دون شك المفوضية الجديدة على تهدئة الأمور.
قد يرى بعضهم في هذه التسمية الغريبة، في وقتٍ يعاني المواطنون الأوروبيون من تردّي
لا شك في أن الربط بين نمط الحياة الأوروبي والهجرة في السياق الأوروبي الحالي هو شرعنة لخطاب اليمين الأوروبي المتطرّف. صحيحٌ أن سلوكات بعض أفراد الجاليات المهاجرة في أوروبا تثير إشكالات، سيما التي تتخذ صبغة دينية، والتي يحاول أصحابها إعادة صوغ بعض قواعد الحياة اليومية، حتى تتوافق مع أهوائهم الدينية خصوصاً، بيد أن تلك السلوكات لا ترقى إلى مصاف تهديد لنمط الحياة الأوروبي، يقتضي استحداث منصب لحمايته.
كيف يمكن حماية نمط الحياة الأوروبي بحقيبة وزارية؟ نمط الحياة هو نتاج تراكمات اجتماعية تاريخية، وتطورات مجتمعية متواصلة، لا يمكن أن يحصر في حقيبة. من له المسؤولية والشرعية في تحديد مضامينه أو تغييرها؟ وهل نمط الحياة الأوروبي لمجر فيكتور أوربان هو نفسه بالنسبة لفرنسا ماكرون؟