عالم ما بعد عاصفة الحزم

23 ابريل 2015

عناصر في حرس الحدود السعودي يقصفون قواعد للحوثيين (16أبريل/2015/Getty)

+ الخط -

فجر الخميس 26 من مارس/آذار 2015، أعلنت المملكة العربية السعودية انطلاق عملية "عاصفة الحزم"، موجهة ضد تحالف الحوثي والرئيس المخلوع على عبد الله صالح في اليمن، بعد الانقلاب الذى قام به الحوثيون في 24 سبتمبر/أيلول 2014، وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، ثم ما شهدته اليمن من تمدد سريع للحوثيين في كل محافظات الشمال، وبداية الزحف إلى الجنوب، مدعومين بقوات وعناصر الجيش اليمني، الموالي في معظمه، للرئيس المخلوع صالح، في إطار صفقة، شاركت فيها عناصر وقوى يمنية، وقبائلية أخرى، بدرجات متفاوتة، بهدف اقتسام غنائم السلطة والثروة، وفرض هيمنة حوثية بطابع الإمامة الزيدية، وتحت عباءة الولي الفقيه في إيران، والتي تسعى إلى الحصول على موطئ قدم على باب المندب وسواحل خليج عدن والبحر الأحمر، وعلى حدود المملكة العربية السعودية، وفى خاصرة دول الخليج، عبر سيطرة جماعة "أنصار الله الحوثيين"، والتي تعتبرها إيران جناحها في اليمن.

وأصبح الخيار ما بين ترك اليمن يسقط في يد تحالف الحوثي/ صالح والنفوذ الإيراني المباشر وبين التدخل السريع والحاسم لإعادة الأمور إلى نصابها، وكان القرار الذي فاجأ الجميع هو عاصفة الحزم، ولعل المفاجأة ترجع إلى أنه أول قرار بالحرب يصدر بمبادرة من طرف عربي، منذ قرار حرب أكتوبر/تشرين أول 1973، مع فارق الظروف والملابسات والعدو، والأهداف.

وكأي عملية عسكرية كبرى ومشتركة، كانت تحتاج إلى عدة ركائز أهمها: أولاً، الذريعة القانونية للتدخل، وقد توفرت عبر الطلب الرسمي من الرئيس المعترف به دولياً وعربياً، عبد ربه منصور هادي، إلى مجلس الأمن، وإلى المملكة العربية السعودية ومجلس التعاون الخليجي، بالتدخل لإنهاء الانقلاب واستعادة الشرعية. ثانياً، التضامن الخليجي والعربي، والتوافق الإقليمي، والتفهم الدولي، وهو ما تحقق بتشكيل تحالف يضم عشر دول عربية وإقليمية، وتنسيق رئيسي مع الولايات المتحدة الأميركية، والتي أعلنت دعمها للتحالف، والتنسيق مع قيادة عاصفة الحزم. ثالثاً، حشد القوات المشاركة وتعبئتها، وتنظيم القيادة والسيطرة، وتوفير الإمكانات اللوجستية والفنية، وعمليات التنسيق الدقيق بين قوات ووسائل مختلف الدول المشاركة في العمليات. رابعاً، العمل السياسي، والدبلوماسي، والإعلامي، المصاحب للعمليات العسكرية، على مختلف المستويات المحلية، والإقليمية، والدولية، وهو ما بدأ منذ اللحظات الأولى للعملية، واستمر معها. خامساً، توفير غطاء مشروعية استمرار الحملة العسكرية، من خلال هيكلة سلطة يمنية في الخارج، إلى جوار الرئيس هادي، متمثلة في نائب رئيس، ويرأس حكومة مصغرة، وتستمر العمليات العسكرية، بطلب من تلك السلطة اليمنية.

وهناك تفاصيل كثيرة، متعلقة بالتخطيط والتنظيم، وإدارة العمليات المستمرة، وتدخل في أسبوعها الخامس. وقد لا نبالغ كثيراً، إذا قلنا إن الشرق الأوسط، والمنطقة العربية بكل توازناتها الإقليمية، بعد عاصفة الحزم لن تعود كما كانت قبلها، أياً كانت النتائج النهائية التي ستسفر عنها تلك العمليات العسكرية غير المسبوقة، مع ملاحظة أنها أنجزت مبكراً هدفاً رئيسياً، وهو إيقاف مشروع تمدد النفوذ الفارسي في اليمن. وفى انتظار ما يمكن أن تسفر عنه من نتائج على أرض الواقع اليمني. ولسنا، هنا، في مجال الحديث عن انتصارات وإنجازات، أو إخفاقات، وتراجعات، للأطراف المختلفة، لكنها محاولة لاستشراف المتغيرات التي ستطال القوى الإقليمية وأدوارها، وتوازنات القوى والمصالح في المنطقة، وانعكاساتها المستقبلية.

أول المتغيرات أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تعد قوة اقتصادية هائلة فقط، بل أصبحت أيضاً قوة سياسية، بل وعسكرية أيضاً، قادرة على الفعل والتأثير، مارست أدواراً مباشرة وغير مباشرة في مسارات الأحداث في المنطقة، منذ انطلاق ثورات الربيع العربي، وإن كانت تلك الأدوار محل جدل، وجاءت عاصفة الحزم لتتوج هذا الدور. ويذهب بعضهم إلى أن السعودية، بحكم دورها القيادي في مجلس التعاون، أصبحت مركز القرار العربي، وهو تطور بالغ الأهمية.

ثاني المتغيرات أن السعودية، ومعها دول مجلس التعاون، انتقلت بالقرار العربي من حالة رد الفعل التي اعتاد عليها العالم إلى حالة الفعل، وهي نقلة هائلة، حتى لو جاءت خارج إطار جامعة الدول العربية، ولا يقلل من ذلك التنسيق المسبق مع أميركا. وهذا دلالة على أن الجامعة لا تمتلك الآليات لإدارة الأزمات العربية، ومواجهة التحديات واتخاذ القرارات، على أي مستوى، ما يتطلب بالضرورة إعادة النظر في هذه المنظمة العتيدة.

والمتغير الثالث الذي يجب أن نتوقف عنده طويلاً هو الحديث عن إعلاء مبدأ الشرعية، وعدم مشروعية الانقلابات والتصدي لذلك بشكل حاسم، فقد كانت الذريعة القانونية التي استندت إليها السعودية في شن عاصفة الحزم، في مواجهة المجتمع الدولي، هي استعادة شرعية الرئيس اليمني، ودحض الانقلاب العسكري عليه، وهو متغير يجب أن نتمسك به، ونعض عليه بالنواجذ. ولكن، يتطلب الاتفاق على المعايير الحاكمة للشرعية، ودواعي التدخل لحمايتها بكل الوسائل، بما في ذلك القوة العسكرية.

على المستوى الإقليمي، نحن أمام متغيرات رئيسية، لعل أهمها أن كل الترتيبات التي كانت تُعد في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد لم تكن تضع في اعتبارها أية قوة عربية، وتتعامل على أساس أن القوى الإقليمية الرئيسية هي تركيا وإيران ودولة العدو الإسرائيلي، باعتبارها القوى الفاعلة إقليمياً، وقد يتطلب الأمر إعادة النظر في تلك الترتيبات.

كذلك، اتساع مجال التعاون والتحالف العربي ليمتد إلى قوى الجوار الإسلامي المباشر، المتمثلة في تركيا، والجوار الإسلامي غير المباشر، المتمثلة في باكستان، ما قد ينعكس على العلاقات العربية الإيرانية والدور الإقليمي لإيران.

يبقى الانعكاس على القضايا العربية، في سورية والعراق وليبيا وفلسطين. هل سيكون للتوافق العربي والدعم الإقليمي، في أثناء عاصفة الحزم، أثر مباشر على إيجاد الحلول السياسية لتلك القضايا بشكل أكثر حسماً؟

عند انقشاع غبار عمليات عاصفة الحزم، سيظهر المشهد الجديد أكثر وضوحاً، حيث تختفي منه نقاط الارتكاز التقليدية التي كانت متمثلة في الدول القومية، والتي كانت تملك مفاتيح القرار في المنطقة، والتي انهار بعضها بالفعل، وأبرزها العراق وسورية وليبيا، بينما توارت مصر، وانغمست في مشكلاتها الداخلية، واستقطاباتها المجتمعية، وأزماتها الاقتصادية.

وستتصدر المشهد الجديد السعودية ودول مجلس التعاون نقاط ارتكاز جديدة في المنطقة، تمتلك القوة الاقتصادية، والسياسية، وأيضاً العسكرية. وبالتالي، تأخذ في يدها مفاتيح القرار العربي. ولكن، هناك أسئلة شديدة الأهمية ستبقى معلقة: هل سيمضي مشروع الشرق الأوسط الجديد في طريقه؟ وعلى الأسس نفسها التي تهمش القوى العربية، أم سيسمح بوجود قوة عربية، ركيزة رابعة إلى جوار تركيا وإيران وإسرائيل؟ هل ستنال الشعوب العربية حريتها، وهل ستفرض إرادتها؟ وهل ستتشكل التحالفات، وتهب العواصف، للوقوف إلى جانب الشرعية، ليس بشكل انتقائي. ولكن كل شرعية تمثل إرادة الشعوب؟ هل ستتصدى القوى العربية الجديدة الصاعدة للعدو الإسرائيلي، لفرض الإرادة العربية، واستعادة الحق الفلسطيني؟

حتماً، سيكون عالم ما بعد عاصفة الحزم مختلفاً عما قبلها.

2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.