07 اغسطس 2024
كيف نواجه خطاب الكراهية؟
ما هو خطاب الكراهية؟ ولماذا ينتشر في عالمنا العربي؟ وما مخاطر انتشاره على المجتمع والناس؟ وكيف يمكن أن نقضي عليه؟ إنه يتعلق، أولاً، بالأسلوب الذي نتحدث به عن الجماعات المختلفة المحيطة بنا، هو لا يرتبط بكراهية فرد لذاته، بل بكراهية جماعة بعينها، وأشخاص لكونهم أعضاء في تلك الجماعة.
الكراهية مشاعر حادّة ومتطرفة للغاية، ترفض أن ترى الجماعة الضحية جماعة بشرية لها عيوب ومزايا، بها صالحون وطالحون، جزءاً أساسياً من المجتمع، ويجب الحفاظ عليها وعدم الانتقاص من حقوقها، بل ومعاملة أبنائها بمساواة، وتشجيعهم على المشاركة في الحياة السياسية والعامة.
يبث خطاب الكراهية حالة من الغضب والرفض الشديد تجاه جماعةٍ، أو جماعات بعينها، وتجاه كل المنتمين إليها، إنه ينزع عن تلك الجماعات صفات البشر، ويصرّ على أن يشيطنها ويوصمها بكل الصفات السيئة، هي وأعضاؤها، وعلى أن يصوّرها في صورة أمراض يجب أن تجتث، وشرور كاملة يجب القضاء عليها، فلا يرى فرقاً بين أعضاء الجماعة المستهدفة، ولا يرى أن لتلك الجماعة وأبنائها حقاً في المساواة مع الآخرين، أو التمتع بأي حقوق، بما في ذلك حق الوجود نفسه.
حتى لو تعرضت تلك الجماعة، أو بعض أبنائها، لكارثةٍ ما، كجريمة ضد الإنسانية، أو مذبحة أو جريمة حرب ... إلخ، يرفض دعاة الكراهية الاعتراف بتلك الجريمة، ويصرّون على نفيها، أو ربما إلقاء اللوم على الضحايا أنفسهم، واعتبارهم المسؤولين عنها.
يؤلب خطاب الكراهية ويميّز ويحرّض، ويدعو إلى التمييز والعنف ويُنكر الجرائم، ونتائج ذلك وخيمة للغاية على الجميع، فهي تبدأ بانسحاب أبناء الجماعة المستهدفة من الحياة العامة، والتوقف عن لعب دور إيجابي، ويدفعهم نحو الشعور المتزايد بالاضطهاد والاستهداف والتمييز ضدهم، وربما إلى الرغبة في الهروب عن طريق الإدمان أو العنف. وبهذا، يخسر المجتمع الاسهام الإيجابي لأبناء تلك الجماعة، بل ويتحولون تدريجيا إلى عنصر خطر حقيقي.
يكرّس خطاب الكراهية، أيضاً، التمييز ويهدم القوانين، فهو يقوم على تقويض حقوق أساسية، مثل المساواة وحق الناس في حرية الاعتقاد والفكر والانتصاف من التمييز والجرائم أمام قضاء نزيه. أما الجانب الأسوأ للكراهية وخطابها فهو التحريض على العنف، ومن ثم العنف نفسه، والذي تقود الكراهية إليه في صورة حروب ومذابح وجرائم ضد الإنسانية وحروب أهلية.
في العالم العربي ثلاثة أنواع سائدة لهذا الخطاب واضحة، هناك خطاب للكراهية يتعلق بعلاقتنا بالخارج، حيث اليمين المتطرف في الدول الغربية يرفع شعارات الإسلاموفوبيا ورفض الإسلام
والمسلمين والمهاجرين بشكل كلي، ورفض وجودهم على أراضي الغرب، بالإضافة إلى الانتقاص من حقوقهم ومعاملتهم بتمييز كفئة أدنى من البشر. وفي المقابل، تجد في العالم العربي من ينظر إلى الخارج كله، وكأنه الآخر المختلف الطامع في الثروات المتآمر، من دون أدنى جهد للتمييز بين المجتمع والدولة، بين الإنسان العادي والسياسي، بين اليسار واليمين في الدول الغربية، بين من يدعمون قضايانا ويتعاطفون مع الآخر ومن يميزون ضدنا.
في الداخل العربي، لدينا الصراع السني الشيعي المتزايد، حيث تقوم جماعة، مثل داعش، على دعاوى طائفية صريحة. وفي مصر سحل بعض الناس في الطرقات داعيةً يقال إنه شيعي في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي. وفي المقابل، ترفع بعض مليشيات الحشد الشعبي في العراق والمليشيات الشيعية المدافعة عن نظام بشار الأسد في سورية شعارات طائفية فجة.
وثمّة الصراع السياسي نفسه بين قوى الثورة والتغيير في العالم العربي من ناحية وقوى الثورة المضادة من ناحية أخرى، حيث تستخدم نظم الثورة المضادة في العالم العربي، مثل سورية الأسد ومصر السيسي، الكراهية أداة أساسية في الصراع السياسي، بوصف خصومها بالإرهاب والأعداء وعدم الوطنية، وتحول تلك الكراهية لسياسات للقتل والسجن والتعذيب، بل ولتدمير مدن كاملة، وترحيل سكانها، كما الحال في سورية. وفي المقابل، هناك من يقابل تلك الكراهية بكراهية مضادة، بتكفير هذا الحاكم أو ذاك، والدعوة إلى العنف، وتكفير الجنود والنظم. وإقليم يشهد عدة حروب أهلية، كالعالم العربي، لا بد أن يعرف ارتفاعاً غير مسبوق في خطاب الكراهية، والسؤال يصبح ما العمل؟
في الدول الغربية، يدور الحديث عن "خطاب الكراهية" في سياق مقارنته بحرية التعبير، حيث تجرّم دول غربية استخدام تصريحاتٍ، أو رموز عنصرية بعينها، وتجرّم أيضا نكران جرائم تاريخية كبرى، كنكران الهولوكوست، مثلاً. في المقابل، تميل دولةٌ، كأميركا، إلى عدم تقييد الخطاب العام، وإلى التعامل مع بعض جوانب "خطاب الكراهية" ظاهرة سياسية، على المجتمع وقادته، لا القضاء والمحاكم، مواجهتها بعزل مستخدميها سياسياً ومجتمعياً.
حيث تخشى تلك الدول من أن التوسع في تعريف "خطاب الكراهية"، وربطه بعقوبات قانونية صارمة، قد يمثل قيداً على حرية التعبير، أو يمكن أن تسيء استخدامه الأنظمة الديكتاتورية أو العنصرية، مثلا، فتتحول المطالبة برفع ظلم النخب أو الطبقات أو الأعراق الحاكمة إلى "خطاب كراهية" في عيون قضاء الأنظمة الديكتاتورية والعنصرية.
عموماً، هناك فروق جوهرية بين طريقة تعامل الغرب مع خطاب الكراهية وما علينا أن نفعله
في بلادنا لمكافحة هذا الخطاب من ناحية أخرى. لدى الدول الغربية حد أدنى من احترام حقوق الإنسان والدساتير والقوانين والديمقراطية نفسها، والنقاش حول خطاب الكراهية عندهم يرتبط بحرية الاعتقاد والرأي والهوية، وهي حقوق تبدو رفاهية في ديكتاتوريات بلاد العرب، حيث تهدر حقوق أساسية، كالحق في الحياة والحرية والمساواة والكرامة.
في الديكتاتوريات العربية، لا يوجد قضاء مستقل، يمكن العودة إليه لمحاسبة ناشري الكراهية، ولا توجد برلمانات يمكن أن تشرّع قوانين أو دساتير تحترم، بل تمثل الكراهية أداة رئيسية تستخدمها الأنظمة الديكتاتورية لتمزيق المجتمع وإضعافه، وهزيمة قواه الحية، والوصول إلى الحكم والحفاظ عليه.
لذا، تبدو المطالبة بمكافحة خطاب الكراهية رفاهية، أو خطوة متقدمة للغاية، فلكي نتمكّن من التشريع لمكافحة خطاب الكراهية، أو من مقاضاة الجناة، يجب، أولاً، أن نضمن حقوقاً أساسية، كالديمقراطية والقضاء النزيه والحكومات والبرلمانات المنتخبة. نحن باختصار في حاجة لنظم ديمقراطية تحترم أبسط حقوق الإنسان، مثل حقه في الحياة والحرية والكرامة، بداية يمكن البناء عليها للمطالبة بحقوق أخرى. وحتى يتحقق هذا الحلم البعيد، لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي في مواجهة خطاب الكراهية المتزايد في بلادنا، فالكراهية تفرّق الناس، وتمثل أداة رئيسية للطغاة، وتمنع القوى المطالبة بالإصلاح والتغيير والثورة والديمقراطية من العودة سياسيا. لذا، يجب أن تدرك تلك القوى أن السير في طريق الكراهية هو سياسة النظم الاستبدادية نفسها، وهي نظم لن تضع حدوداً على تطبيق تلك السياسة المفيدة لها، وعلى قوى التغيير نفسها أن تبادر بمواجهة خطاب الكراهية، لو أرادت أن تجد مخرجاً من الوضع المتأزم الراهن، والتأسيس لمستقبل أفضل.
ولعل ساعتها يمكن أن تبدأ باتخاذ مبادرات أساسية ومفيدة للغاية، مثل التأكيد على رفضها خطاب الكراهية، وإعلان احترامها الاختلاف والتنوع، وترحيبها بالنقد الذاتي والنقد المتبادل ورفضها للوصم والتشويه والصور النمطية، وتبني إعلامٍ يقوم على المعلومات ويحارب الأكاذيب بالحقائق، والإساءات بالأخلاق، والصور النمطية بالتنوع، والتأكيد على الفروق الفردية والجماعية. يمكن أيضا أن تؤسس تلك الجماعات لإعلام يتوقف عن الاستخدام المبالغ فيه للهويات الجماعية، ويرحب بوجهات النظر المختلفة، ويشجع مختلف الجماعات المكونة للمجتمع على المشاركة، ويواجه محاولات نشر الكراهية بخطابٍ ذكي، يوفر المعلومة، ويدحض الأكاذيب، ولا يعتدي.
يبث خطاب الكراهية حالة من الغضب والرفض الشديد تجاه جماعةٍ، أو جماعات بعينها، وتجاه كل المنتمين إليها، إنه ينزع عن تلك الجماعات صفات البشر، ويصرّ على أن يشيطنها ويوصمها بكل الصفات السيئة، هي وأعضاؤها، وعلى أن يصوّرها في صورة أمراض يجب أن تجتث، وشرور كاملة يجب القضاء عليها، فلا يرى فرقاً بين أعضاء الجماعة المستهدفة، ولا يرى أن لتلك الجماعة وأبنائها حقاً في المساواة مع الآخرين، أو التمتع بأي حقوق، بما في ذلك حق الوجود نفسه.
حتى لو تعرضت تلك الجماعة، أو بعض أبنائها، لكارثةٍ ما، كجريمة ضد الإنسانية، أو مذبحة أو جريمة حرب ... إلخ، يرفض دعاة الكراهية الاعتراف بتلك الجريمة، ويصرّون على نفيها، أو ربما إلقاء اللوم على الضحايا أنفسهم، واعتبارهم المسؤولين عنها.
يؤلب خطاب الكراهية ويميّز ويحرّض، ويدعو إلى التمييز والعنف ويُنكر الجرائم، ونتائج ذلك وخيمة للغاية على الجميع، فهي تبدأ بانسحاب أبناء الجماعة المستهدفة من الحياة العامة، والتوقف عن لعب دور إيجابي، ويدفعهم نحو الشعور المتزايد بالاضطهاد والاستهداف والتمييز ضدهم، وربما إلى الرغبة في الهروب عن طريق الإدمان أو العنف. وبهذا، يخسر المجتمع الاسهام الإيجابي لأبناء تلك الجماعة، بل ويتحولون تدريجيا إلى عنصر خطر حقيقي.
يكرّس خطاب الكراهية، أيضاً، التمييز ويهدم القوانين، فهو يقوم على تقويض حقوق أساسية، مثل المساواة وحق الناس في حرية الاعتقاد والفكر والانتصاف من التمييز والجرائم أمام قضاء نزيه. أما الجانب الأسوأ للكراهية وخطابها فهو التحريض على العنف، ومن ثم العنف نفسه، والذي تقود الكراهية إليه في صورة حروب ومذابح وجرائم ضد الإنسانية وحروب أهلية.
في العالم العربي ثلاثة أنواع سائدة لهذا الخطاب واضحة، هناك خطاب للكراهية يتعلق بعلاقتنا بالخارج، حيث اليمين المتطرف في الدول الغربية يرفع شعارات الإسلاموفوبيا ورفض الإسلام
في الداخل العربي، لدينا الصراع السني الشيعي المتزايد، حيث تقوم جماعة، مثل داعش، على دعاوى طائفية صريحة. وفي مصر سحل بعض الناس في الطرقات داعيةً يقال إنه شيعي في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي. وفي المقابل، ترفع بعض مليشيات الحشد الشعبي في العراق والمليشيات الشيعية المدافعة عن نظام بشار الأسد في سورية شعارات طائفية فجة.
وثمّة الصراع السياسي نفسه بين قوى الثورة والتغيير في العالم العربي من ناحية وقوى الثورة المضادة من ناحية أخرى، حيث تستخدم نظم الثورة المضادة في العالم العربي، مثل سورية الأسد ومصر السيسي، الكراهية أداة أساسية في الصراع السياسي، بوصف خصومها بالإرهاب والأعداء وعدم الوطنية، وتحول تلك الكراهية لسياسات للقتل والسجن والتعذيب، بل ولتدمير مدن كاملة، وترحيل سكانها، كما الحال في سورية. وفي المقابل، هناك من يقابل تلك الكراهية بكراهية مضادة، بتكفير هذا الحاكم أو ذاك، والدعوة إلى العنف، وتكفير الجنود والنظم. وإقليم يشهد عدة حروب أهلية، كالعالم العربي، لا بد أن يعرف ارتفاعاً غير مسبوق في خطاب الكراهية، والسؤال يصبح ما العمل؟
في الدول الغربية، يدور الحديث عن "خطاب الكراهية" في سياق مقارنته بحرية التعبير، حيث تجرّم دول غربية استخدام تصريحاتٍ، أو رموز عنصرية بعينها، وتجرّم أيضا نكران جرائم تاريخية كبرى، كنكران الهولوكوست، مثلاً. في المقابل، تميل دولةٌ، كأميركا، إلى عدم تقييد الخطاب العام، وإلى التعامل مع بعض جوانب "خطاب الكراهية" ظاهرة سياسية، على المجتمع وقادته، لا القضاء والمحاكم، مواجهتها بعزل مستخدميها سياسياً ومجتمعياً.
حيث تخشى تلك الدول من أن التوسع في تعريف "خطاب الكراهية"، وربطه بعقوبات قانونية صارمة، قد يمثل قيداً على حرية التعبير، أو يمكن أن تسيء استخدامه الأنظمة الديكتاتورية أو العنصرية، مثلا، فتتحول المطالبة برفع ظلم النخب أو الطبقات أو الأعراق الحاكمة إلى "خطاب كراهية" في عيون قضاء الأنظمة الديكتاتورية والعنصرية.
عموماً، هناك فروق جوهرية بين طريقة تعامل الغرب مع خطاب الكراهية وما علينا أن نفعله
في الديكتاتوريات العربية، لا يوجد قضاء مستقل، يمكن العودة إليه لمحاسبة ناشري الكراهية، ولا توجد برلمانات يمكن أن تشرّع قوانين أو دساتير تحترم، بل تمثل الكراهية أداة رئيسية تستخدمها الأنظمة الديكتاتورية لتمزيق المجتمع وإضعافه، وهزيمة قواه الحية، والوصول إلى الحكم والحفاظ عليه.
لذا، تبدو المطالبة بمكافحة خطاب الكراهية رفاهية، أو خطوة متقدمة للغاية، فلكي نتمكّن من التشريع لمكافحة خطاب الكراهية، أو من مقاضاة الجناة، يجب، أولاً، أن نضمن حقوقاً أساسية، كالديمقراطية والقضاء النزيه والحكومات والبرلمانات المنتخبة. نحن باختصار في حاجة لنظم ديمقراطية تحترم أبسط حقوق الإنسان، مثل حقه في الحياة والحرية والكرامة، بداية يمكن البناء عليها للمطالبة بحقوق أخرى. وحتى يتحقق هذا الحلم البعيد، لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي في مواجهة خطاب الكراهية المتزايد في بلادنا، فالكراهية تفرّق الناس، وتمثل أداة رئيسية للطغاة، وتمنع القوى المطالبة بالإصلاح والتغيير والثورة والديمقراطية من العودة سياسيا. لذا، يجب أن تدرك تلك القوى أن السير في طريق الكراهية هو سياسة النظم الاستبدادية نفسها، وهي نظم لن تضع حدوداً على تطبيق تلك السياسة المفيدة لها، وعلى قوى التغيير نفسها أن تبادر بمواجهة خطاب الكراهية، لو أرادت أن تجد مخرجاً من الوضع المتأزم الراهن، والتأسيس لمستقبل أفضل.
ولعل ساعتها يمكن أن تبدأ باتخاذ مبادرات أساسية ومفيدة للغاية، مثل التأكيد على رفضها خطاب الكراهية، وإعلان احترامها الاختلاف والتنوع، وترحيبها بالنقد الذاتي والنقد المتبادل ورفضها للوصم والتشويه والصور النمطية، وتبني إعلامٍ يقوم على المعلومات ويحارب الأكاذيب بالحقائق، والإساءات بالأخلاق، والصور النمطية بالتنوع، والتأكيد على الفروق الفردية والجماعية. يمكن أيضا أن تؤسس تلك الجماعات لإعلام يتوقف عن الاستخدام المبالغ فيه للهويات الجماعية، ويرحب بوجهات النظر المختلفة، ويشجع مختلف الجماعات المكونة للمجتمع على المشاركة، ويواجه محاولات نشر الكراهية بخطابٍ ذكي، يوفر المعلومة، ويدحض الأكاذيب، ولا يعتدي.