يكتب من داخل زنزانته
يلاحقني هذا السؤال بين الحين والآخر: ما رأيك في مقال عصام سلطان، أو عصام العريان، المنشور أخيرا؟
لا أجد إجابة تعفيني من مأزق السؤال، سوى أنني لم أقرأ، فيبادرني السائل بإرسال رابطٍ لمقال، وينتظر تعليقي، وفي الغالب لا أعلق متذرعاً بالانشغال والنسيان، فينالني بعض الاتهام بالتجاهل والاستعلاء.
غير أنني تحت إلحاح أحدهم، قرّرت أنني لن أتصدى بالنقد، اختلافاً أو اتفاقاً أو تقييماً، مع مناضلين حقيقيين في ظلام الزنازين وظلمها، يحيون في ظروف سجن غير آدمية، ومن ثم لن أتوقف عند ما ينشر على لسانهم، إلا حين يتمتعون بالحرية، والقدرة على الجدال والسجال.
لكن، وفي المجمل، لا يستطيع عقلي أن يستوعب أن الشخص الذي انتهز فرصة السماح له بالكلام أمام هيئة المحكمة، معلناً الدخول في إضرابٍ كامل عن الطعام والشراب، احتجاجاً على التعذيب الذي تمارسه سلطات السجن ضده، هو نفسه الذي تتوفر له إمكانات كتابة المقالات، داخل الزنزانة، ووصولها إلى الصحف لنشرها.
أتحدث هنا عن حالة المناضل المحترم، عصام سلطان، القابع في سجون سلطة عبد الفتاح السيسي، منذ أربع سنوات، محروماً من كل شيء، بما في ذلك الماء والهواء والشمس، والذي أعلن، قبل أيام، إضرابه عن الطعام والشراب، إلى حين عرضه على لجنةٍ من الأمم المتحدة للتحقيق فيما يتعرّض له من "تعذيب".
في مناسبةٍ سابقةٍ، كان عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط، والمعارض الشرس، قد قال أمام محكمة الجنايات إنه "تم استخدام القوة المسلحة والمواد الحارقة والكلاب البوليسية في تعذيبي".
بالتزامن مع استغاثة عصام سلطان بالأمم المتحدة لإنقاذه من التعذيب الوحشي في السجن، يُنشر مقال جديد منسوب لسلطان، يعلن فيها موقفاً مرناً للغاية من مسخرة الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يقول النص المنشور "إذن، تتعدد المواقف وتتباين، بل وتتغير من وقت لآخر بين الفرقاء السياسيين، وربما داخل الفريق الواحد، لا توجد ثوابت أو مطلقات في السياسة.. المهم هو تعرية نظام الاستبداد، كل بطريقته.
وزيادة في الضغط والتعرية أمام العالم، وربما الإسقاط الكامل للنظام المستبد الفاسد، اقترح عليَّ صديقي المشاغب والمعتقل معي بالعقرب أن يعلن الإخوان الآتي:
[ما زلنا متمسكين بالشرعية، وبموقفنا الرافض للحوار مع الانقلاب، وبالرغم من غياب أكبر فصيل سياسي داخل المعتقلات، بما يقدح في أي انتخاباتٍ تجري في غيبته.. إلا أننا ليس لدينا مانع من الحوار حول كل الموضوعات التي من شأنها انتشال مصر من الضياع والفشل والإفلاس والاقتتال الداخلي مع الفائز في الانتخابات.. بشرط أن تكون حرة..]
النص الذي عبر كل الحواجز وتغلب على كل قيود السجن الذي تمارس سلطاته كل أشكال التعذيب ضد عصام سلطان، يختتم بعبارة شديدة السخرية تقول "بعد أن انتهى صديقي من هذه الكلمات قلت له: ستسومك إدارة السجن سوء العذاب.. وسيعتبرك بعض إخوانك من المفرطين في الثوابت".
تتكرّر حالة عصام سلطان مع عصام العريان، السياسي الإخواني الشهير، المحبوس في سجون السلطة العسكرية، فمن ناحية يشكو من توحش أساليب التعذيب التي وصلت إلى حد الكلام عن انتهاكات جنسية. ومن ناحية أخرى، تنشر مقالات تحمل اسمه، تتضمن رؤى وأفكاراً للمأزق السياسي الراهن، مثل مقاله الأخير، المفاجئ في طرحه، والذي يضع آمالاً على المؤسسة العسكرية، لحلحلة الوضع، وفتح الأفق السياسي المسدود في البلاد.
ليس المهم هنا مناقشة مضمون ما ينشر، والخوض في محتوى الرسالة، بل السؤال هو: كيف تتسامح سلطاتٌ تمارس أبشع أنواع التعذيب على السجناء المعارضين، مع ما ينشر من مقالات تحمل أسماءهم؟
السؤال: كيف تخرج هذه المقالات ولماذا، بينما الوقائع المروية، عن التنكيل والامتهان والعدوانية التي تمارسها سلطات السجون ضد أهالي المحبوسين والمعتقلين، تشير إلى استحالة دخول قشرة موز أو خروجها، من دون موافقة السلطات؟
في تصريحات متلفزة، نشرتها الصحف، قبل يومين، قال العميد جمال دياب، مدير التخطيط والبحوث في قطاع السجون، إن الرئيس محمد مرسي سجين عادي مثل الجميع، ويتم التعامل معه مثل أي شخص أخر، معلقا: "مش هياخد أزيد من حقه، لا يكتب مذكراته، ولا يقرأ، وملتزم بالقواعد واللوائح.. قاعد بس معتاد على السجن".
إذن، المعنى هنا، وفقاً لهذه التصريح، أنه لا أحد يستطيع أن يكتب أو يقرأ، من المسجونين السياسيين، الأمر الذي يزيد علامات الاستفهام والتعجب اشتعالاً، كلما نشرت صحف ومواقع بعينها مقالات موقعة بأسماء مسجونين سياسيين من الوزن الثقيل، تتعاطى معهم السلطات بروحٍ انتقاميةٍ، ونزعة مكارثية يلمسها الجميع، ومن ثم لننتظر حتى تشرق شمس الحرية، على الأبطال الصامدين في السجون، وساعتها نستطيع أن نناقش ما ينقل عنهم.