يتحدّثون عن قمة ثقافية عربية

24 ابريل 2018
+ الخط -
قصّرنا، نحن المشتغلون في الإعلام، في الإضاءة على قرار عظيم الأهمية، اتخذه أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، قادة الأمة، في مؤتمر قمة الساعات الأربع الأسبوع الماضي، في العربية السعودية. كان خطأ مهولاً عدم انتباهنا للقيمة الكبرى للقرار الاستثنائي في أهدافه، والذي أجمع عليه المؤتمرون، حرصاً منهم على وحدة الأمة. موجزه أن قادة الدول العربية ورؤساء وفودها المشاركين في أعمال القمة العربية (قمة القدس) رحبوا في البند 16 في "إعلان الظهران" بدعوة المملكة العربية السعودية إلى إقامة القمة العربية الثقافية، "آملين أن تسهم في دفع عجلة الثقافة والتنوير وإذكاء جذوة القيم العلمية والأخلاقية العربية الأصيلة للحاق بركب الثقافة الذي تخلفت عنه الأمة جرّاء الحروب والفتن والقلاقل". .. ولكن، مهلاً: متى دعت السعودية إلى هذه القمة؟ لا يُرشدنا البحث المضني في الأرشيف إلى شيءٍ في هذا الخصوص. لم يأت مسؤولٌ سعودي على دعوةٍ كهذه، قبل أن تحظى بالترحيب أعلاه. ولكن، لا يحسُن الانشغال بهذا التفصيل الإجرائي، فالأدعى أن ننقطع، نحن أهل الإعلام مع أصحابنا أهل الثقافة، وبعونٍ من صنّاع السياسة، في أوطاننا العربية، من أجل التعجيل بعقد هذه القمة الثقافية التي أبلغنا المجتمعون في الظهران أن لديهم آمالا عريضة عليها، مبيّنة في القرار. 

بصراحةٍ، لا يستحق كلام الملوك والرؤساء والأمراء والمسؤولين ذاك عن قمةٍ ثقافيةٍ عربيةٍ غير التنكيت، وإن افتعل وزير الخارجية السعودية، عادل الجبير، هيئة المسؤول الجاد الذي يعني ما يقول، لما أفاد شعوبَ الأمة، في المؤتمر الصحافي بعد اختتام أعمال قمة الساعات الأربع، بأنه تم الاتفاق على عقد قمةٍ ثقافيةٍ عربيةٍ في المستقبل. ثم أفرطت صحفٌ سعوديةٌ في تثمين قرار الترحيب ذاك، وتحدّثت إلى مثقفين سعوديين بشأنه، فأعربوا عن غبطتهم به، ومنهم من قالوا إنه "أثلج" صدورهم. والظاهر أن أصحاب المعالي، وزراء الخارجية العرب، في اجتماعهم التحضيري لقمة الساعات الأربع، جاءوا على موضوعة القمّة الثقافية هذه، فقد قال الوزير الموريتاني، إسلك ولد أحمد إزيد بيه، لا فضّ فوه، إن الثقافة تُحقّق ما لا تحقّقه الدبلوماسية والسياسة في عالمنا العربي. والمرجّح أن السيد الوزير استدعى قناعتَه هذه من رطاناتٍ إنشائيةٍ ذائعة، وهي إنْ صحّت، فإنها توجب، أولاً، أن يكفّ الحاكمون الذين استضيفوا في الظهران أيديهم عن قصة الثقافة كلها.
نعم، هذا هو المختصر المفيد. لا مدعاة لأن ينشغل أصحاب الجلالة والفخامة والسمو العرب بـ "دفع عجلة الثقافة والتنوير وإذكاء جذوة القيم العلمية والأخلاقية العربية الأصيلة للحاق بركب الثقافة الذي تخلفت عنه الأمة جرّاء الحروب والفتن والقلاقل". ليست هذه القصة من اختصاصهم أبدا، سيما وأن فائض الحروب والمنازعات والخصومات التي يخوضونها في بلادهم، وفي خارجها، لا تجعل أياً منهم مؤهلاً لدفع تلك العجلة. سامحه الله ذلك الموظف النحرير في أمانة جامعة الدول العربية الذي استطاب هذه المفردات، فدسّها في بيانٍ يوقّع عليه قادة الأمة الذين ليس مؤكّداً أنهم ألقوا بالاً لعجلة الثقافة والتنوير هذه، وإنْ كان رئيس السودان، عمر البشير، قد فعلها، ودعا إلى عقد قمةٍ ثقافيةٍ، ولكن "لمحاربة الإرهاب"، على ما أوضح أمام زملائه في قمّة البحر الميت العام الماضي.
المشهد العربي على ما نرى من شناعةٍ. ثمّة دولٌ تتداعى، وشعوبٌ تنزح عن أوطانها للنجاة بنفسها، وثمّة من يبدعون منازعاتٍ ومشاكسات، فيستهدفون دولا جارةً بالمقاطعة والحصار، ثم يأتيك من يحدّثك عن قمة ثقافية عربية. .. كان عمرو موسى، إبّان توليه أمانة جامعة الدول العربية، قد تلقّى من رئيس مؤسسة الفكر العربي، الأمير خالد الفيصل، في العام 2009، طلباً بأن يدعو إلى قمةٍ ثقافيةٍ عربيةٍ، على غرار القمة الاقتصادية العربية الأولى في الكويت، فتسلّى الرجل بالفكرة بعض الوقت، لكنه كان أكثر صراحةً لمّا قال إنه سيدعو إلى إلغاء القمة الاقتصادية الثانية، لأن قرارات الأولى لم تنفذ، وإنه لا يظن أن قمةً ثقافيةً ستكون أحسن حالاً... لم يكن في وسع موسى أن يقول ما ينبغي أن يُقال هنا: رجاءً، لا تتحدّثوا في أمرٍ كهذا، إنه لا يبعث على غير الهزء والتنكيت.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.