ياسمينة خضرا كاتب الحدث بامتياز

29 نوفمبر 2022
+ الخط -

قبل أن يصبح ياسمينة خضرا (1955)، كان الروائي الجزائريّ الذي يكتب باللغة الفرنسية يُدعى محمد مولسهول، وقد اتخذ اسم زوجته اسما أدبيا له، لأنه عندما باشر حياته الأدبية ضابطا في الجيش الجزائري خدم في إحدى أصعب فترات مواجهة الجماعات الإرهابية، في أوائل التسعينيات، حيث كان قائدا في القوات الخاصة المتمركزة على الحدود الجزائرية المغربية، وفي ولاية وهران، وذلك في إطار الانتشار العسكري ضد الأصوليين الإسلاميين والجيش الإسلامي للإنقاذ والجماعة الإسلامية المسلحة. وقد عُلم أنه أصيب جرّاء ذلك بثلاثة انهيارات عصبية ونجا من كمينين كادا أن يوديا به إلى الموت. كان مستحيلا، إذن، أن يوقّع خضرا رواياته باسمه الحقيقي، إلى أن قرّر الكشف عن اسمه، التقاعد بعد 25 عاما من الخدمة، والانصراف إلى الكتابة بشكل رسمي ونهائي والاستقرار في فرنسا.  
وياسمينة خضرا يشكّل، ولا ريب، حالة خاصة في الأدب الجزائري الناطق بالفرنسية والعربية على السواء، فقد راجت معظم رواياته في العالم الغربي وتُرجمت ونُشرت في أكثر من 50 بلدا، وقد تم اقتباس عدد منها وتحويلها أفلاما سينمائية، من بينها "موريتوري"، "فضل الليل على النهار"، "الهجوم" و"سنونوات كابل" التي زعم الكاتب أنها اشتهرت وبيعت وقرئت أكثر من كتابي الأفغاني خالد حسيني "عداء الطائرة الورقية" و"ألف شمس ساطعة" اللتين بلغت مبيعاتهما نحو 38 مليون نسخة عالميا!
وخصوصية الحالة التي يشكّلها الكاتب الجزائري غزير الإنتاج تتأتى عن أكثر من جانبٍ، وقد يجوز القول إنها لا تنتج شكلا أساسيا أو حصريا عن جودته أو جدّته الأدبية، من دون أن يعني ذلك تقليلا من شأنه أو تبخيسا من قيمته، فياسمينة خضرا، إلى جانب سيرته الذاتية وتجربته العسكرية  الخاصة وبروزه في فترة كانت أنباء الجزائر الدموية تتصدّر الأخبار في العالم، لطالما وجد في الحدث العالمي الذي يحتلّ الصدارة ويستقطب الاهتمام في مختلف أنحاء المعمورة، مادةً لرواياته، لذا نراه، على سبيل المثال، لم يكتب في الحدث الجزائري وحده فحسب، بل تعدّاه إلى تناول أحداث العراق في "صفّارات بغداد"، وأفغانستان في "سنونوات كابل" التي سبق ذكرها، وأيضا شخصية معمّر القذافي في روايته "ليلة الريس الأخيرة"، حيث يروي تفصيل اليوم الأخير في حياة الزعيم الليبي الذي بقي بحسبه، حتى اللحظة الأخيرة، لا يصدّق الجاري من حوله.
أيضا، لياسمينة خضرا شخصية استفزازية تثير السجالات من حوله، ولا ندري إذا كان ذلك عائدا لتربيته العسكرية أم لأناه المتضخّمة، فهو لا يفوّت مناسبةً إلا ويروّج فيها ذاته أنه الكاتب الجزائري الذي فتح أبواب العالمية أمام الأدب الجزائري، نافيا بذلك أسبقية  كتّابٍ كبار سبقوه، من أمثال مولود فرعون وكاتب ياسين والطاهر وطّار وآسيا جبار وسواهم. كما أنه سبق وصرّح، في إحدى المقابلات معه أن "ياسمينة خضرا هو كاتب له صدى في العالم اليوم، أكثر من نجيب محفوظ صاحب نوبل"، مضيفا أنه "أكبر كاتب على قيد الحياة في العالم إنتاجاً في جميع الفنون في المسرح والسينما والأوبرا والكوليغرافيا والشريط المرسوم والمسرح الإذاعي، وهذا لا يعرفه الجزائريون"...
لا ترمي هذي المقالة الموجزة إلى محاكمة ياسمينة خضرا على سلوكاته التي لن تؤثّر بأي حال على منجزه الأدبي الذي ينبغي أن يُقرأ بمعزلٍ عن شخصه وتصرّفاته، فهو برغم كل شيء يمتلك مقدرة استثنائية على السرد المشوّق، والاستناد إلى الحدث في نظم الحكايات والقصص، ما جعله كاتبا مقروءا ورائجا لدى الجمهور العريض. إنما هي إشارة إلى حالةٍ خاصةٍ يشكّلها الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا في المشهدين، العربيّ والعالميّ.

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"