هل يغادر سوينكا أميركا؟

11 نوفمبر 2016
+ الخط -
أمّا وأن دونالد ترامب صار رئيس أميركا المنتخب، فإن الروائي والشاعر والمسرحي النيجيري، وول سوينكا، مدعوٌّ إلى أن يمزّق بطاقة إقامته في الولايات المتحدة (غرين كارد)، ويرحل، على ما وعد بشكلٍ حاسم، أمام طلابٍ في جامعة أكسفورد، قبل أسابيع، وهو الذي يعمل أستاذاً في جامعة نيويورك. كان في باله أن فوز ترامب بالرئاسة مستبعدٌ، على ما قال. ولكن، ليس سوينكا وحده من "هدّد" بهذا، وهو غير الأميركي، فقد أطلق نجومٌ ومشاهير أميركان "الوعيد" (؟) نفسَه. قالوا إنهم سيغادرون بلدهم، إذا ما صار "الكابوس المزعج"، بحسب ما وصفت مغنية البوب مايلي سايرس (24 عاما) ما جرى في واقعة 8 أكتوبر/ تشرين الثاني الجاري الانتخابية، قبل حدوثه، وقالت إنها ستغادر بلادها أيضاً. أما المذيع والممثل الكوميدي، جون ستيورات، فقال إنه يفكّر في استقلال صاروخ، والسفر إلى كوكبٍ آخر، فيما حدّدت مغنية البوب شيرين سيركسيان (شير) كوكب المشتري مكاناً مفضلاً للرحيل إليه، إذا فاز ترامب. وإذ حدث ما حدث في يوم الثلاثاء الأسود للعالم، بحسب نعت "الغارديان" له، فإن على المغنية والممثلة الأميركية، باربرا سترايسند، أن تصدّق ما قالت إنها لا تستطيع تصديقه، ثم تغادر بلادها، كما وعدت، ووعد المخرج والكاتب والممثل، براين كرانستون، ففوز دونالد ترامب بالرئاسة أمرٌ ليس معقولاً بالنسبة له. 

ثمّة نجوم أميركيون غير هؤلاء أعلنوا أنهم سيرحلون عن بلدهم، إذا "أصبح هذا الأحمق رئيساً"، كما سمى الممثل الأميركي صمويل جاكسون دونالد ترامب. ولكن، هل يفعلونها؟ أم تُراهم قالوا ما قالوه انفعالاً، في لحظة استهجانٍ من أن يكون هذا الرجل مرشّحاً من المستبعد فوزه في انتخاباتٍ تنافسُه فيها امرأةٌ خبيرةٌ في السلطة، هيلاري كلينتون التي كانوا يحبذون وصولها إلى البيت الأبيض رئيسةً هذه المرّة، لا زوجة رئيسٍ، ليحمل الحدث معنىً جديداً في أميركا التنوّع والانفتاح والتعدّد، عندما تصل امرأةٌ أول مرة في تاريخ الولايات المتحدة إلى المنصب الأول في الدولة. كان فوزُها في منظور هؤلاء سيصير انتصاراً على انعزالية دونالد ترامب وأنصاره المتطرّفة، وعدائيته للآخر، وعنصريته الظاهرة، وفظاظته وسوقيّته أيضاً.
لم يأت حساب القرايا كما حساب السرايا. فاز ترامب وخسرت هيلاري، فصار ما لم يتخيّله هؤلاء الممثلون والفنانون حقيقةً ماثلة، وبوغت وول سوينكا بما استبعَد حدوثه، وهو الذي كان قد وصل إلى الولايات المتحدة هارباً من حكم العسكر في بلاده، نيجيريا، وظلّ صاحب صوتٍ عالٍ في الدفاع عن الحريات فيها، وفي مناهضة الانتهاكات الجسيمة هناك. وبالنظر إلى سمعته مناضلاً، وإلى سلطته الثقافية الرمزية، وإلى مكانته الخاصة حائزاً على جائزة نوبل للآداب (1986)، كان له قيمتَه الذائعة، نعتُه جورج بوش الابن بأنه "أخطر أصولي متطرّف وصل إلى البيت الأبيض". وإذ يضع الأخير ورقةً بيضاء في انتخابات الثلاثاء الماضي، احتجاجاً منه، وهو الجمهوري العتيد، على ترشّح ترامب، فإن سوينكا ينسجم مع نفسه، عندما يختار الرحيل عن أميركا، حين يصل إلى البيت الأبيض من يتفوّق على بوش الابن خطورةً وتطرّفاً.
أظنّها المرة الأولى في كل الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يتخلّلها إصدار مثقفين وفنانين أميركيين "عرائض" ضد ترشّح اسمٍ فيها، أو تحذّر من "مخاطر" مرشّح فيها، كما عريضة مائة سينمائي وموسيقي (بينهم جين فوندا) في يوليو/ تموز الماضي، كتبوا فيها إن مسؤوليتهم تجعلهم يستغلون شهرتهم للفت الانتباه إلى "مخاطر" أن يصبح ترامب رئيساً. لم يكترث الناخبون إلى تحذيرات هؤلاء، ولا إلى عريضةٍ وقّع عليها أكثر من أربعمائة كاتب ومثقف وفنان أميركي، عيّنت ثمانية أسبابٍ تسوّغ، بحسبهم، عدم ترشّح ترامب، وبالتالي عدم انتخابه... ولكن، يبدو أن هؤلاء، وغيرهم، أتعبوا أنفسهم، عندما صاروا "عرضحالجية"، يحاربون دونالد ترامب بعرائض، فيما الرجل لا يقرأ أشياءَ كهذه، ولا يضيّع وقته في قراءة الكتب، بل يزدري المثقفين أصلاً. أدّى أولئك المثقفون والفنانون ما عليهم، حذّروا كما شاءوا، ورموا الرئيس الجديد بما أرادوا من نعوت. والآن، جاء وقت الجدّ، صار دونالد ترامب رئيساً. ماذا سيفعلون؟ هل سيغادر وول سوينكا أميركا؟


معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.