هل شعرتَ بالقلق اليوم؟

04 مايو 2023

(سعد يكن)

+ الخط -

لماذا القلق؟ كثيرون منا يشعرون بالقلق تجاه أشياء كثيرة معظمها تافه ولا يستحق أن نحرق أعصابنا وخلايا أدمغتنا بسببه. وغالبا ما نكتشف ذلك بعد فوات الأوان، أي بعد أن يتمكّن القلق منا ونصبح غير قادرين على مقاومته أو النجاه من شراكه.

ومع إدراكنا أن الأمور كلها بيد الله، وأن القلق لا يقدّم في ما نحن قلقون بشأنه شيئا، إلا أنه يؤخّرنا في البحث عن حلولٍ لما يواجهنا ويسبّب القلق لنا. دائرة مفرغة نجد أنفسنا نعيش فيها، ونحن من رسمها غالبا. بل إننا في كثير من الأحيان نتخيّلها ونحصر أنفسنا داخل خطّها الدائري المتخيّل، ولا نريد أن نصدّق أنها غير موجودة.

قبل أيام، رأيت مقطعا مصوّرا لنملة محبوسة داخل دائرة رسمها أحدُهم حولها بالقلم الرصاص، فأصبحت النملة تدور حول نفسها وتحاول البحث عن مخرجٍ في جدار الدائرة المرسومة حولها من دون جدوى. ومضت بقية دقائق المقطع وهي على هذه الحالة الساذجة. لم تدرك النملة أنه مجرّد خط بالقلم الرصاص على الورق، وأنها تستطيع عبوره وهي تواصل سيرَها بشكل طبيعي.

للأسف، يعيش كثيرون منا في دائرة تلك النملة ويتصرفون مثلها تماما، فيبقون محبوسين في محيط قلقهم المتوهم. طبعا، هذا لا يعني أن الحياة خالية من المشكلات المعقّدة التي تفرض علينا حالات قلق حقيقية لامتناهية، ولكنه يعني، ببساطة، ضرورة أن نفرّق بين دوائره الحقيقية التي تلتفّ حولنا بقيودٍ حديديةٍ لا نستطيع الخروج منها بسهولة وبين الدوائر الوهمية التي لا وجود لها إلا في مخيلاتنا.

نعم.. يسعى الإنسان المعاصر دائمًا إلى تحقيق الراحة النفسية والاستقرار العاطفي والعائلي والوظيفي، وفقا للصورة التي يتمنّاها باعتبارها الصورة الأمثل، لكن الحياة المليئة بالتحدّيات والضغوط تجعلنا نشعر بالقلق بشكل مستمرّ، فهي لا توفر لنا دائما ما نطمح إليه من فرص، ما يجعل القلق من أكثر المشاعر السلبية التي تؤثّر على حياة الإنسان، ويمكن أن تؤدّي به إلى مشكلاتٍ صحّية نفسية وجسدية عديدة، وتتعدّاها إلى مشكلات مع الآخرين حوله.

أصبحنا نقلق على كل شيء ومن كل شيء تقريبا في حياتنا، من الصغائر إلى الكبائر، في البيت وفي العمل وفي الشارع، وحتى عندما نسافر أحيانا للتخلّص من مشاعر القلق، كما نتوّهم، نجد أن القلق قد حجز مقعدا إلى جانبنا في الطائرة ذاتها.

وربما أكثر ما يتسبّب بمضاعفة حالات القلق الخوف من فقدان المال، سواء أكان مصدر هذا المال العمل الحرّ أم الوظيفة، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة في معظم الدول. والمفارقة أن الشعور بالقلق أحيانا يسرّع في فقدان مصدر الدخل، فهو عدو للإنتاجية، لأنه يؤثّر على تركيز الإنسان وقدرته على العمل الحقيقي وتحقيق الأهداف، ما يجعله مدخلا لحالات أقسى منه، مثل الاكتئاب والتوتر أو الأمراض الجسدية الصعبة والمزمنة.

ولذلك، بدلا من الاستسلام لحالة القلق، والتي قلما ينجو المرء منها، مهما بلغت درجة السلام مع النفس التي يعيشها وحالة التصالح مع الذات التي يصل إليها، عليه أن يفكّر، وبسرعة بأسباب قلقه، وأن يحدّدها ويحدّد مسؤوليته الشخصية عنها، ليواجهها مهما كانت صعوبة الأمر، بدلا من أن يتركها لتلتهم صحته وصحة علاقاته مع من حوله. فصحيحٌ أن القلق شعور طبيعي جدا، لكن الاستغراق فيه والاستسلام له ما يؤدّي إلى استمراره فترة طويلة، هو غير الطبيعي، وهو ما يجعلنا، في النهاية، مجرّد ضحايا منهكين لا نقوى على اكتشاف وهم الدائرة المرسومة حولنا بالقلم الرصاص، وبالتالي، غير قادرين على الخروج منها مهما حاولنا!

 

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.