هل اقتربت تركيا وإسرائيل من إعادة التطبيع؟

30 يناير 2022
+ الخط -

عندما اعتقلت السلطات التركية زوجين إسرائيليين في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بشبهة التجسّس على مقر الرئيس رجب طيب أردوغان في إسطنبول، بدا لكثيرين من المراقبين للعلاقات التركية الإسرائيلية أنّ الحادثة ستتسبب بمزيد من التوتر في العلاقات المضطربة أصلاً بين الجانبين منذ سنوات. كانت السلطات التركية قد اعتقلت بالفعل، قبل نحو شهر من ذلك التاريخ، 15 شخصاً يُشتبه بتجسّسهم لصالح جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في عملية أمنية متزامنة بأربع ولايات تركية. لكن بعد أسبوع على اعتقال الزوجين، أفرجت السلطات التركية عنهما وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن الرئيس أردوغان تدخل شخصياً لمعالجة القضية التي سُرعان ما تحوّلت إلى فرصة لكسر الجمود الدبلوماسي بين زعماء إسرائيل وتركيا، أجرى أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينت، اتصالاً كان بمثابة أول محادثة هاتفية بينهما بعد تولي الأخير منصبه. كما تلقى أردوغان اتصالاً من نظيره الإسرائيلي، يتسحاق هرتسوغ، لشكره على جهوده في معالجة القضية.

خلال العام المنصرم، كانت العلاقات التركية الإسرائيلية تحت المجهر بعد إعلان أنقرة عن سياسة خارجية جديدة لإصلاح العلاقات مع خصومها الإقليميين، ومن بينهم إسرائيل، فقد شرعت في مفاوضات مع القاهرة لإنهاء القطيعة، كما أرسلت وزير خارجيتها، مولود شاويش أوغلو، إلى الرياض للغاية نفسها، ثم أبرمت نهاية العام الماضي مصالحة مع الإمارات. مع ذلك، ظل الجمود يهيمن على التواصل السياسي بين أنقرة وتل أبيب خلال تلك الفترة. ويُعزى ذلك لثلاثة أسباب رئيسية: الأول أنّ الاضطرابات السياسية التي شهدتها إسرائيل خلال الفترة الماضية، والتي أحدثت فراغاً على صعيد القيادة، كانت عائقاً أمام أنقرة لإطلاق مسار لإعادة تطبيع العلاقات معها. والثاني أنّ المفاوضات مع القوى الإقليمية الأخرى التي تنخرط في تحالف مع تل أبيب كالإمارات لم تكن قد وصلت إلى نتيجة بعد. والثالث أنّ التوتر المستمر بين تركيا من جهة واليونان وقبرص الجنوبية من جهة ثانية لم يُحفز الإسرائيليين على الانفتاح على تركيا، حرصاً منهم على الحفاظ على علاقاتهم الوطيدة مع أثينا ونيقوسيا. الآن، تبدو الظروف الإقليمية مناسبةً من وجهة نظر الجانبين لفتح صفحة جديدة.

على مدى العقد الماضي، لم تعرف العلاقات التركية الإسرائيلية استقراراً طويل الأمد قط

على مدى العقد الماضي، لم تعرف العلاقات التركية الإسرائيلية استقراراً طويل الأمد قط. في عام 2010 أدّى الهجوم الإسرائيلي على أسطول "مافي مرمرة" التركي لكسر الحصار على غزة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. وفي مارس/ آذار 2013، اعتذرت إسرائيل عن الهجوم في محاولة لفتح بابٍ لتطبيع العلاقات. لكنّ العلاقات سُرعان ما عادت إلى التوتر بعد كشف تركيا عملاء إسرائيليين في إيران في أكتوبر/ تشرين الأول 2013. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015 عُقد اجتماع سرّي بين تركيا وإسرائيل للتفاوض حول إعادة العلاقات الدبلوماسية قبل التوصل إلى اتفاق بين البلدين، لبدء تطبيع العلاقات في يونيو/ حزيران 2016. لكن هذه المساعي انهارت مرة أخرى بعدما هدّد أردوغان بقطع العلاقات بسبب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل، إلا أن هذا لم يحدث. وفي 2018، رحّلت تركيا السفير الإسرائيلي وأهانته بفحص أمني رداً على مقتل 61 فلسطينياً خلال الاحتجاجات على طول الحدود مع غزة، وسحبت سفيرها في تل أبيب. ولا يزال على البلدين إعادة السفراء إلى مناصبهم، لكنهما لم يخفضا مستوى العلاقات على الرغم من الخلافات.

في 18 يناير/ كانون الثاني الجاري، فاجأ أردوغان المراقبين بالكشف عن محادثاتٍ لترتيب زيارة قريبة للرئيس الإسرائيلي، هرتسوغ، إلى تركيا. وبعد أيام، أعلن أن الزيارة ستكون مطلع الشهر المقبل (فبراير/ شباط). قبل ذلك، أجرى وزير خارجيته، مولود أوغلو، اتصالاً هاتفياً بنظيره الإسرائيلي يئير لبيد للاطمئنان على صحته بعد إصابته بفيروس كورونا. كان الاتصال الودّي أول محادثة بين الوزيرين. مع ذلك، يُنظر إليه إلى جانب تصريحات أردوغان الإيجابية إزاء إسرائيل على أنها محاولة من أنقرة لتعزيز الأجواء الإيجابية التي سادت أخيرا بين البلدين. في الوقت الراهن، تبدو فرص إعادة التطبيع أكبر من أي وقت مضى، بفعل غياب معظم العقبات التي عرقلت خلال العقد الماضي عملية إحداث استقرار طويل الأمد في العلاقات. فمن جانب، ساهم رحيل نتنياهو عن السلطة في فتح آفاق جديدة في هذه العلاقات. كما أدّت خسارة ترامب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة إلى تجميد مشروع صفقة القرن، بينما ساعد إصلاح العلاقات التركية الإماراتية والتهدئة بين أنقرة والقاهرة في توفير ظروف إقليمية مناسبة لكل من تركيا وإسرائيل في مساعي إعادة التطبيع.

على الرغم من قلق إسرائيلي من مزاج أردوغان المتغير، فإنّ منع حدوث تقدّم دبلوماسي بسبب ذلك لم يعد ضرورياً

مع ذلك، ظلت عقبة أخرى تتمثل في موقفي تركيا وإسرائيل المتعارضين إزاء الصراع على الطاقة في شرق البحر المتوسط. ولكنّ هذه العقبة بدأت تتبدّد بعد سحب إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، دعمها مشروع ميد إيست بين إسرائيل واليونان وقبرص الجنوبية لنقل الغاز إلى أوروبا بمعزل عن تركيا التي تتطلع حالياً إلى الاستفادة من هذه التحولات لفتح مسار جديد مع إسرائيل، بما يُساعدها في عملية إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية وجني الفوائد على المستويين، السياسي والاقتصادي. بعد إصلاح العلاقات التركية الإماراتية، أُثيرت إمكانية إقامة مشاريع ثلاثية تركية إسرائيلية إماراتية. بالنّظر إلى عدم حماسة أردوغان لبناء علاقة شخصية مع رئيس الوزراء نفتالي بينت الذي لا يختلف عن سلفه نتنياهو لناحية التوجهات اليمينية المتطرّفة، فقد اختار هرتسوغ ليكون الشخص الرئيسي في هذه العملية. أجرى الطرفان ثلاث محادثات في الأشهر الثلاثة الماضية. الأولى كانت في الصيف، بعد أيام قليلة من تولي هرتسوغ مهام منصبه. والثانية بعد إطلاق سراح الزوجين الإسرائيليين، والثالثة عندما أجرى أردوغان اتصال تعزية بعد وفاة والدة هرتسوغ.

يتوقف الأمر على ما إذا كانت القيادة السياسية في إسرائيل ترغب في الرد على الخطاب التصالحي التركي بخطوات مشابهة. مع ذلك، تفتقر الحكومة الإسرائيلية إلى شخصية رفيعة لديها الدافع للتصرّف في هذه القضية، وهذا يترك هرتسوغ باعتباره الشخصية التي يُمكن أن تقوم بهذه المهمة. وهناك اعتقاد في إسرائيل بأنّ تأخر الاستجابة للحماسة التركية قد يؤدّي إلى برودتها في نهاية المطاف، وبالتالي تفويت فرصة مثالية للخروج من دوامة الاضطراب في العلاقات مع تركيا. وعلى الرغم من قلق إسرائيلي من مزاج أردوغان المتغير، فإنّ منع حدوث تقدّم دبلوماسي بسبب ذلك لم يعد ضرورياً. لا تزال الخلافات بين تركيا وإسرائيل بشأن القضية الفلسطينية قائمة، وستبقى تسبب توتراً بين الجانبين، طالما لم يجرِ إحراز تقدّم في عملية السلام. لكنّ الإسرائيليين والأتراك على حدّ سواء يُشيران إلى إمكانية التعاون بشأن القضايا الأخرى، لا سيما شرق المتوسط. من المتوقع أن يعيد الجانبان فتح سفارتيهما بشكل متبادل في الفترة المقبلة.