هل اقتربت الحرب بين البستان والغابة؟

21 يوليو 2023
+ الخط -

في بلدة لابوان باجو، التي لا يتجاوز عدد سكانها سبعة آلاف نسمة شرقي إندونيسيا، عقدت قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) يوم 11 يوليو/ تموز الجاري، والتي أجرى وزراء خارجية الدول المشاركة فيها، محادثاتٍ حول قضايا أمنية اقتصادية، في مقدّمتها الأوضاع في ميانمار، والتوترات المستمرّة في بحر الصين الجنوبي.

خرجت محادثات آسيان عن مسارها الطبيعي، وأخذت شكل الانقسام العمودي الحاصل في الساحة الدولية. لهذا كان مألوفًا ردّ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بقوله إن "الغرب لا يحترم مبدأ السيادة بين الدول"، مستهجنًا حديث مسؤول السياسة الخارجية والدفاعية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، بوصف القارّة العجوز بـ"البستان المزهر وبقية العالم بالغابة"، وأعرب عن عدم تفاؤله إزاء مصير الاتفاق النووي الإيراني.

جاءت تصريحات لافروف، في مؤتمر صحافي في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، 13 يوليو/ تموز الجاري، على هامش القمّة. وصرّح "قرأت خبرًا من جهة غربية يقول إن العلاقات الروسية الصينية تهدّد الناتو". هم "الغرب" يعتقدون أنه لا مكان للعلاقات بين روسيا والصين، وهذا انتهاكٌ صارخ لمثياق الأمم المتحدة بشأن احترام سيادة الدول، الناتو لا يقبل ذلك".

لا يرتبط هذا الخبر فقط بالمسؤولين الأوروبيين، بل أيضًا بالحلفاء الغربيين الذين يرفضون هذا التقارب. لقد عبّر وزير الخارجية اليابانية، يوشيماسا هاياشي، على هامش اجتماع القمّة عن قلق بلاده الكبير بشأن النشاط العسكري الصيني المتزايد في محيط اليابان، بالإضافة إلى التعاون العسكري الصيني مع روسيا.

بالعودة إلى "البستان"، هو حتمًا تعبير مجازي يحاكي بالمفهوم الأوروبي التطوّر الذي قدّمته القارّة العجوز بعد الحرب العالمية الثانية، تحديدًا في موضوع احترام الإنسان، وتطبيق القيم الديمقراطية. لهذا أصبحت دول الاتحاد الأوروبي وجهة لحوالي 80% من الهجرات الشرعية وغير الشرعية إليها. على سبيل المثال، كان الاتحاد الأوروبي قد بحث الخميس 29 الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) اتفاقًا مع تونس، يهدف إلى مكافحة الهجرة وضبط شبكات المهرّبين.

ربط لافروف بين النظرة الفوقية عند الغرب وعدم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران

لكن ماذا عن "الغابة" التي وصف بها المسؤول الأوروبي سائر الدول؟ ففي هذه النظرة نوع من الاستهزاء والتهكّم يحمل الكثير من "الاستعلاء" على الآخرين، بسبب أنها قد لا تجيد حماية القيم الديمقراطية، ولا تقدّم لشعوبها نوعًا من الرفاهية التي تمتاز بها دولها. أمام بخصوص الغزو الروسي أوكرانيا، فقد تساءل كثيرون بشأن نية بوتين من عمليته العسكرية الخاصة، والتي لم تُقنع أحدا بأنها لحماية أمن بلاده القومي، بل تمحورت الإشكالية حول ما إذا كانت روسيا تريد "تخريب" البستان؟

لم يعد خافيًا على أحد أن أبرز أسباب الحرب التي قادتها روسيا على أوكرانيا، ترتبط بـ"انزعاج" روسي من التعاطي الفوقي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في تجاهل المخاوف التي أعرب عنها الرئيس الروسي بوتين بشأن وجود الحلف عسكريًا على حدود بلاده، الأمر الذي يهدّد مباشرة أمن روسيا القومي.

تناول لافروف موضوعًا لم يزل يجد مساحةً كبيرة له في العالم، ويترجم بصراعات حول العالم، يتعلق بالهيمنة الغربية، أي تفوّق "العرق الأبيض" على سائر الأعراق. هذا ما حفّز بعض الدول في القمة إلى السعي نحو إحداث تغيير في النظام العالمي، في مقدمتها الصين وروسيا، وتحويل النظام من قطبٍ واحدٍ إلى نظام متعدّد الأقطاب، باعتبار أن التحرّر من الوصاية الغربية يجب أن يتمّ، وإن العمل على إيجاد عملةٍ بديلةٍ عن الدولار لاستخدامها في التبادلات التجارية طريق نحو إحداث التغيير.

مرحلة "راوح مكانك" لم تعُد تصيب الأهداف المرجوّة، لهذا بدأت الاستعدادات للتحرّك نحو حرب كبرى قد تنهي حالة حجب الرؤية عن أي نظامٍ عالميٍّ جديد منتظر

ربط لافروف بين النظرة الفوقية عند الغرب وعدم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، إذ أعلن منسّق العلاقات الاستراتيجية في البيت الأبيض، جون كيربي، أن واشنطن تركّز حاليًا على المفاوضات مع إيران، من أجل إعادة المواطنين الأميركيين المحتجزين هناك، وليست قريبة من اتفاق نووي جديد ولا تعتبره أولوية. لا تهتم الولايات المتحدة إلى التوصّل إلى اتفاق نووي، بقدر ما تعمل لتحرير مواطنيها، رغم أهمية التوصّل إلى هذا الاتفاق لإرساء الاستقرار في المنطقة.

بدأ التوجّس الغربي من التفاهم الروسي – الصيني ينعكس على مناطق النفوذ الغربي في العالم، حيث لم يقتصر الوضع على المنافسة، بل تعدّى ذلك نحو ترتيب تحالفاتٍ جديدة ترتدّ بالسلب على مصالح الغرب، فالتقارب الصيني مع السعودية، كان له تأثير على خفض إنتاجية مجموعة "أوبك +" للنفط، الأمر الذي رفع من سعر البرميل عكس ما كان يتوقّعه الغرب من حليفهم التاريخي.

يبدو أن لا شيء يبشّر بأن الوعي العالمي يتجه نحو تفادي الحرب الكبرى بين الدول، إذ في تطور للحرب بين روسيا وأوكرانيا، أعلن الكرملين 17 يوليو/ تموز الجاري انتهاء اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، ما يهدّد بتفاقم أزمة الغذاء العالمية. ويضع بعضهم القرار بسبب استمرار كييف في شنّ الهجوم على الجسر الرابط بين روسيا وشبه جزيرة القرم بمسيّراتٍ أدّت إلى مقتل أشخاص وأصابت آخرين.

بعد وصول طرفي النزاع إلى مرحلة "اللاعودة"، وبعدما استنزفت لغة الدبلوماسية، باتت الحرب بين البستان والغابة مرتقبا حصولها في أي لحظة، سيما وإن النقاط الساخنة يشتعل فتيل الحرب فيها. إذ اعتبر وزير خارجية الولايات المتحدة، أنتوني بلينكن، أن بلاده وحلفاءها يعتزمون "الدفاع ضدّ أي عدوان من كوريا الشمالية". فعلى ما يبدو إن مرحلة "راوح مكانك" لم تعُد تصيب الأهداف المرجوّة، لهذا بدأت الاستعدادات للتحرّك نحو حرب كبرى قد تنهي حالة حجب الرؤية عن أي نظامٍ عالميٍّ جديد منتظر.