هل مبادرة بايدن "ضربة مُعلّم"؟

04 يونيو 2024
+ الخط -

يُعدّ إعلان الرئيس الأميركي، جو بايدن، مقترح الخطة الإسرائيلية لمفاوضات الأسرى الأول من نوعه، ويشكّل مفاجأة لكثيرين، حتّى في تل أبيب. وكان الرئيس الأميركي قد أعلن مقترحاً جديداً لوقف الحرب في غزّة، يتضمّن ثلاث مراحل، قائلاً إنّه "حان الوقت لإنهاء هذه الحرب"، فمنذ بدء المفاوضات غير المباشرة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، حرصت الولايات المتحدة والوسطاء على عدم التطرّق إلى تفاصيل أيّ مقترحاتٍ يجري التفاوض عليها. ولكن مع إعلان بايدن، بدا وكأنّ واشنطن أخذت زمام المبادرة لتحلّ محلّ تل أبيب وتفاوض "حماس" على ما قد يطرح على الطاولة.
بغضّ النظر عن تفاصيل ما تضمّنته المبادرة البايدنية، التي أُخرجت من كواليس البيت الأبيض، ورغم الإيجابية التي تلقّفت بها "حماس"، والحركات الفلسطينية الأخرى، المبادرة، إذ علّقت "حماس" في بيان لها في 1 يونيو/ حزيران الحالي بأنّها "تنظر بإيجابية إلى ما تضمّنه خطاب الرئيس الأميركي بشأن وقف إطلاق النار في غزّة"، إلا أنّ القراءة الأساسية تكمن في سرعة الطرح وتوقيته. "حان الوقت"، المفهوم الأبرز الذي يجب التوقّف عنده في مبادرة بايدن، الذي بدا وكأنّه يفاوض عن إسرائيل، وهذا ليس بسرّ، ولا بجديد، لأنّ الجميع يعلم أنّ المايسترو الرئيس في حرب غزّة هو الأميركي، الذي لم يقف فقط عند حدود تقديم الدعم العسكري المُطلق، ولا عند عتبة حماية الكيان والتعمية عن جرائمه أمام المؤسّسات الدولية، سيّما عدم الاعتراف الأميركي بقرارات المحكمة الجنائية الدولية، بل عند اعتبار إسرائيل تحقّق مصالحها في المنطقة، وما هذه الحرب إلا عنواناً لإعادة خلط أوراق المنطقة حفاظاً على المصالح الأميركية.

تعتبر إدارة بايدن أنّ سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته بمثابة نقطة تحوّل في السياسة الإيرانية المُقبلة

أرادت واشنطن حرباً طويلة في غزّة، وأدارت المعركة عبر وكيلها الإسرائيلي بعناية ووضوح، هي التي تريد من الشرق الأوسط إعادة تركيب هيكله من جديد، تحت شعار طرحته الإدارات الأميركية السابقة "الشرق الأوسط الجديد". وجدت واشنطن في حرب غزّة ضالّتها، عكس كل التحليلات التي اعتبرت أنّ أميركا فوجئت في هجوم 7 أكتوبر (2023)، فهي تريد رسم الممرّ الاقتصادي الجديد الذي وقّعته مع مجموعة دول في نيودلهي، في سبتمبر/ أيلول الماضي. هذا الممرّ، الذي تريد منه واشنطن أن يكون الممرّ المنافس لـ"الطريق والحزام"؛ الشريان الرئيس للاقتصاد الصيني في الشرق الأوسط، الذي طرحه الرئيس شي جين بينغ في عام 2013. فإطالة الحرب، واعتمادها منهجية تدميرية، كان مخطّطاً لهما، وهما جزء من المشروع المطروح في دوائر البيت الأبيض، وكان الوقت المناسب لتنفيذه. أمّا أن يحين الوقت لوقف الحرب، من دون أن تكون إسرائيل مُستعدّة لذلك، أو أن تكون حكومة بنيامين نتنياهو قد حقّقت مبتغاها منها، وهي على الأقل القضاء على "حماس"، وإعادة إدارة القطاع بشكل يتناسب مع الخطّة الإسرائيلية، فهنا تكمن المُعضلة.
"حان الوقت"، طبعاً، بحسب التوقيت الأميركي من دون سواه، الذي تفيد فيه استطلاعات الرأي في الولايات المتّحدة بأنّ نسبة كبيرة من الشعبية البايدنية قد هبطت إلى مستويات غير سابقة لها عند العرب، وعند مناهضي الحرب على غزّة. فهل حان الوقت لإظهار إدارة بايدن أنّها هي من تبادر إلى وضع حدّ لهذا القتال الدائر لكسب أصوات انتخابية ستخسرها حتماً إن استمرّت في نهج الدعم المطلق لإسرائيل، من دون أن تبادر إلى وضع عناوين لنهايتها؟... مسألة قد تشكّل تفسيراً للاستعجال الأميركي لوقف القتال، والذهاب نحو تسويات جديّة في القطاع والمنطقة.
"حان الوقت"؛ تعتبر إدارة بايدن أنّ سقوط طائرة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته بمثابة نقطة تحوّل في السياسة الإيرانية المُقبلة. لهذا، قد تكون واشنطن تحتاج قطع الطريق على وصول رئيس إيراني يحمل معه فكراً متزمّتاً يُدخل المنطقة في أتون الحرب التي لا تريدها واشنطن، والتي تقاطعت مع سياسة إيران السابقة على إبعاد شبح الحرب الكبرى في المنطقة. فهل تحتاج واشنطن إلى وقف الحرب في غزّة كي تقطع الطريق أمام إيران، التي تتحضّر في نهاية شهر يونيو الحالي لانتخاب رئيس لها يستعجل الحرب لإنهاء النفوذ الأميركي في المنطقة، وذلك من خلال فتح المعركة الكبرى عبر وكلائها، كما هو حاصل، اليوم، مع الحوثي في اليمن، الذي أصبح يُصعّد في ضرب السفن الأميركية في البحر الأحمر، حيث باتت صواريخه تطاول حاملة الطائرات الأميركية أيزنهاور، كما أعلن بيان له في 1 حزيران الحالي؟

حان الوقت عند الأميركي لاعتبارات لا علاقة لها بسياسته ورؤيته الاستراتيجية للأزمات المشتعلة في العالم، وما بادر به بايدن يعتبر "ضربة مُعلّم"

"حان الوقت"؛ قد تحتاج إليها واشنطن، اليوم، بسبب الانزلاق الكبير والمحتوم للصدام العسكري (النووي ربّما) بين موسكو وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ ترتفع فرص الصدام بينهما سيّما مع إعلان البيت الأبيض أنّ الرئيس بايدن قد سمح لكييف باستخدام الأسلحة الأميركية المرسلة إليها لاستهداف العمق الروسي. هذا ما دفع موسكو إلى رفع سقف التحدّي، عبر تصريحات مسؤوليها، يؤكّدون فيها أنّ السماح لكييف بذلك يعني الحرب مباشرة مع الغرب، ولن تقتصر على الساحة الأوكرانية. فهل نحن أمام تهدئة لجبهة الشرق الأوسط، استعداداً لإشعال الجبهة الشرقية لأوروبا، وتدحرجها نحو حرب بين حلف الناتو وروسيا، وستكون الولايات المتّحدة اللاعب الأبرز فيها؟... قد يكون حان الوقت عند الأميركي لاعتبارات لا علاقة لها بسياسته ورؤيته الاستراتيجية للأزمات المشتعلة في العالم، وما بادر به بايدن يعتبر "ضربة مُعلّم"، لكنّ ذلك قد لا يكون الوقت المناسب لحكومة نتنياهو المنغمسة في ارتكاب المجازر بحقّ الشعب الفلسطيني لوقف عدوانها، عندها ستسقط مبادرة بايدن، وتدخل المنطقةُ في حربٍ كبرى، لطالما سعت إدارة بايدن إلى تجنّبها.