هل أتمّ محمد رمضان المطلوب منه؟

03 ديسمبر 2020

رجل في القاهرة يشاهد على هاتفه صورة محمد رمضان في دبي (22/11/2020/فرانس برس)

+ الخط -

في السوق، كل شيء يباع، من السكّين إلى تراب الفرن. وفي الفن أيضاً، يُباع السياسي الذي ليس له في السياسة، وكل شيء يباع بواسطة الإعلان عن العطور، والمنشطّات، وفيلات شرم الشيخ، وأدوار الممثلات والممثلين في رمضان، حتى مهرجانات ساويرس والفساتين التي ببطانة أو التي من غير بطانة، وخصوصا بعدما صار الفن سلعةً في يد السلطة، وأوشكت صناعة السينما على الانقراض في مصر.

بات الفنان بمثابة المسرح الخلفي للحاكم أو السياسي أو الملاعيب السياسية لو أردنا الدقة، ضماناً لمصدر الرزق الوحيد، وخصوصا إذا كانت الإقامة المجّانية في أغلب الفنادق، خمسة نجوم الفارغة بعد أزمة كورونا، تتم على مدار السنة، وعلى كل فنان أن يبحث له عن ورك أو فخدة سياسية أو ملعوب سياسي يضمن له الظهور والكسب. ومحمد رمضان ليس هو الوحيد في ذلك المضمار، ولكنه النموذج المعتمد بختم الشعار، سواء في مصر أو الرياض أو الإمارات.

كان لظهور محمد رمضان أخيرا مع أشخاص إسرائيليين في الإمارات (طبعا)، آخر رهان شعبي تراهن عليه المجموعة الرباعية في تسويق منتجها السياسي، أو ملعوبها السياسي، بعد عجزها أمام المؤسسات الدينية في بلدانها إلى حد ما، فما زال الشخص العربي سليم الطوية والفطرة، حتى وإن لم يكن متدينا أو يرتاد المساجد أو ليس له أي توجّه سياسي. يكاد يعرف أن شعوب المنطقة لم تدخل أي حرب، إلا مع الكيان الإسرائيلي، وأن هذا الكيان ما زال يحتل فلسطين وقطعةً من أراضي الأردن والجولان، وأن جرح العربي خلال قرن أو يزيد هو جرح إسرائيلي بامتياز. ودعنا حتى من ممارسة العدوان اليومي للجيش الإسرائيلي على الفلسطيني كل يوم وكل ساعة، حتى أن محمد رمضان نفسه يقول بميوعةٍ يحسد عليها "مش معقول قبل ما أصوّر مع حد أعرف جنسيته". وزاد ساويرس سخافةً في الدفاع عن محمد رمضان، قائلا كعادته "مش معقول الواحد كل ما يسهر مع حد يقوله طلع بطاقتك"، على أساس أن محمد رمضان تقابل مع كل أولئك الأشخاص مصادفةً، سواء أتم اللقاء في الكنيسة المعلقة أو بجوار شجرة مريم أو خلف مسجد الحسين أو في مولد الشيخ أبو عجوة. وتدخل أيضاً علاء مبارك لإنقاذ محمد رمضان بدعوته إلى إعلان الاعتذار للشعب.

كل هذا التجييش المفتعل هدفه الأساسي إحداث ذلك الشرخ في صفوف الناس بواسطة "صور فنان مع ناس يا عم"، صناعة ارتباكةٍ تتماشى مع كورونا والسقوط السياسي والاقتصادي، وهي لحظات محسوبة ومدروسة بعناية، للضغط على آخر عرق في "رقبة الكرامة العربية"، كي يتم قطعه، وتنتهي القضية إلى غير رجعة، بعدما لم تنفع ملايين كوشنر ووعوده، ولا حتى شخاليل إيفانكا، وفساتينها في قطع هذا العرق النابض بالأمل، فما كان من الناس التي ما زالت تتنفس بعيدا عن كل قنوات السعودية والإمارات ومصر، إلا أن لفظت هذه الرحلة، حتى وإن ظهرت النقابة متميعة كالعادة، "لأن روجينا وزوجها بالطبع ينتظران دورين في رمضان، يضمنان لهما وللعيال الملايين".

وللإجابة عن السؤال عنوان المقال، هل أتم محمد رمضان المطلوب منه؟ نعم أتمّه كجندي مصري مكلف بأداء مهمة في الإمارات. وأتمها من قبل وهو في حفلات الرياض مع المرحوم شعبان عبد الرحيم والمطربة اللبنانية ماجدة الرومي التي لم تصدّق نفسها أنها في الرياض، من شدّة خوفها السابق. ولكنها كادت تبكي من الفرح بعدما تحوّل الخوف إلى سعادة، مثل سعادتها وهي ترتمي ما بين ذراعي ماكرون باكية، أو ما فعلته فيروز على أعتاب الخامسة والثمانين بعدما كفّت عن الغناء، لقاء على فنجان قهوة في بيتها مع ماكرون، فهل تحول الفن إلى بوق جديد، بوقٍ في خدمة المصالح الضيقة لمجموعة من القادة في العالم. سقط أحدهم، وهو ترامب، سقوطا هادئا من شهر في الانتخابات، وما زال "يقاوح". وها هي الرموز العربية التي تتعايش في شبه محمياتٍ بملاعيب سياسية تتساقط هي الأخرى.

هل تلك بداية جديدة تماما لانكشاف الفنان وفساتينه وعطوره، كرمز يتم تخريبه، بعدما صار الفن سلعةً في يد مجموعة من التجّار أو أشبه، مجموعة تخاف السقوط وذهاب الكرسي عنها، ويضحون بسير شعبية لأناسٍ تم تصنيعهم في علب الأنظمة أو بيوت أولاد السبكي؟

اللهم ارحم أم كلثوم وسيف الله مختار، وأغثنا من قرود أولاد السبكي.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري