هكذا بهدل الرئيس الضحك

10 مايو 2018
+ الخط -
يقول معجم المعاني الجامع في شرح معنى بهدل: البَهْدَل: جَرو الضبع. والبَهْدَل طائر أَخضر. البهدلة هي الخفة، ويقول أيضاً: بَهْدَلَ خَصْمَهُ: أهَانَهُ، أظْهَرَ سُخْفَهُ وَتَفَاهَتَهُ.
لم يعد الضحك كما كان، الضحك تبهدل. الطرائف كثيرة، والسخرية سلاح شائع في مواقع التواصل الاجتماعي، وأحياناً شفاعة للوصال ونيل ثروات الإعجابات. الفضائيات المعارضة تحرص على برنامج أسبوعي ساخر، والناس المكروبة تروّح عن نفسها بتأليف الطرائف والسخرية من الطِغام، لكن السخرية ما عادت مجديةً، شيء ما جرى تحت الجسور. المادة الفعالة في الضحك فقدت صلاحيتها، أو أن شيئاً ما يصعب فهمه، والضحكات أمست بها فلولٌ منْ قراعِ الكتائبِ. الحكام والساسة المعاصرون لا يتأثرون، يصدق فيهم المثل: أذن من طين وأذن من عجين. البرامج الساخرة كثيرة، مصرية وسورية مثل "جو شو"، و"نور خانم"، و"سيناريو"، و"فوق السلطة".. والقهر شديد.
جِلْد الحكومات بات ثخيناً، لا تخرقه السهام، وَأوْهَـى قَـرْنَهُ الـوَعِلُ. كل خميس يستعرض جو شو أهم أخبار مصر السياسية من خلال أذرع عبد الفتاح السيسي الإعلامية الأخطبوطية، فنرى خطاباً واحداً بأصوات عدة، وملونة، نسائية ورجالية، فقائد الأوركسترا، حسب التعبير المصري، جهة سيادية. ثمة جهتان في مصر: سيادي واستعبادي، وشعبان أيضا. وتخال من هوان هذه الأذرع، وكذبها ودجلها وهرجها ومرجها، أنها أرجل إعلامية. كل أسبوع نرى الأسد  والسيسي يُمعسان ويُدبغان مثل الجلود في المدابغ، فلا نشتفي. هناك شيء ناقص في اللوحة الكبيرة، وإذا كانت السخرية من الرؤساء والساسة في الإعلام والصحافة العربية التي تصدر من بريطانيا وتركيا مكسباً من ثورات الربيع العربي التي أطاحت وقار الحكام فاستعادوها بالدم. لا يغضب الطاغية المعاصر لكرامته المسفوحة، وقد كان أيام الحرب الباردة يثور لخبر صغير في صحيفة صغيرة، وتعتقل مخابراته ضيوفاً على الفضائيات من أجل كلمة طائشة، هو حالياً سلاح تدمير شامل.
اضطرب الميزان، ليس لدى بني البشر والإنسان أكمل المخلوقات فحسب، بل لدى الحيوانات أيضا. وقد رأينا كلباً صغيراً ينغص على أسد ولبوة خلوتهما، وقد خرجا للنزهة في موعد عاطفي، فينبحهما، فيهربان منه! الليث الغضنفر القسورة يهرب، وأمام السيدة حرمه من كلب، واخجلتاه من التاريخ والطبيعة والبيولوجيا وعلم الذرات.. في المشاهد الشائعة على مواقع التواصل؛ فهد ينقضُّ على خنزير، لكن الخنزير يصمد، إما بسبب مرض أو شيخوخة، وإما حلاوة روح، وإما بسبب هول المفاجأة وكآبة المنظر، وإما لأن وراءه كوم لحم، فأشكل على الفهد، واحتار ماذا يفعل، حسب السيناريو الأزلي المكتوب لغرائز الحيوان، على الخنزير أن يهرب، لكن الخنزير قام بثورةٍ مضادة، ونطح الفهد، فهرب مثل الهرة. ورأينا أيضا هررة تفرّ من جراذين وفئران.. واخجلتاه من الإنفوميديا.
تفسر تحليلات أدبية وفكرية مسألة الضحك من رجل يسقط فجأة على الأرض، بقشرة موز المؤامرة، أن الضاحك يفرح لنجاته من الموقف، والضحك تعبير عن نصر، أو اضطراب السياق. لكن للسقوط أشكال عدة، ونحن نرى مشاهد مضحكة يومية لرؤساء عرب زور، يكذبون، مهنتهم البهتان، وهم يتزحلقون بسياراتهم الفاخرة على السجاد الأحمر من دم الشعب، تعبيراً عن السيادة والمجد. منع الفضائيات المعارضة في مصر يدل على أن النظام مرعوب.
لا تستطيع أن تبهدل الحمقى، أو السفهاء. السفيه لا يبهدل، هذه مشكلةٌ عويصةٌ تحتاج إلى حل. حال يشبه حال مصارع الثيران، يثير المصارع العجل بالعلم الأحمر، ويهزُّه يميناً وشمالاً، والثور ساكت، فإما أنه يعاني من عمى أصلي، أو عمى ألوان، أو أن العجل الذهبي مجنون حباً بالبقرة الذهبية، ويريد ادّخار قوته من أجلها. الهيبة في الداخل تستعاد بالقتل، وجعل الصوت في الخارج معدوم الأثر بتجاهله.
هناك غياب للتكافؤ، أو السجال، أو أن الضحك ينفع مع العقلاء، وليس مع الطغاة المسرفين في القتل والدم، الذين اختشوا ماتوا أو قتلوا، كل من يختش يمت من سم الخجل. نحن في عصر التفاهة حسب ميلان كونديرا.
قال كرومويل: تسعة مواطنين من أصل عشرة يكرهونني، لكن ما أهمية ذلك، إذا كان العاشر وحده مسلحا.
برنامج من أصل عشرة يبهدل السيد الرئيس، ويقول: جرو ضبع، وتخرج تسعة وتغني حتى يخيل إليهم من سحرهم أنه طائر أخضر. واخجلتاه من نشرة الأخبار.
أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر