عبد الله رمضان: ما أَشدَّ بياضَ أنيابِ النظام

06 يونيو 2024

الجندي المصري الشهيد عبد الله رمضان

+ الخط -

لم نعرف على وجه التحقيق قصّة حادث معبر رفح، فالسلطات الإسرائيلية تدّعي أنَّ المصريين بدأوا بإطلاق النار عليهم، لكنَّ المصدر الأمني، الذي تحدث إلى "العربي الجديد" يقول: إنَّ عبد الله رمضان قُنص غدراً، وتبالغ مواقع من محور المقاومة فتزعم أنَّ الشهيد سليل سلالة المجاهدين سليمان الحلبي، وسليمان خاطر، ومحمد صلاح. الحاصل أنَّ المُتحدّث العسكري بلسان أمّ الدنيا اعتبر قتل ابنها "حادثاً بسيطاً"، وليس أعظم من قتل الإنسان مظلوماً، ولو شاء النظام المصري لطلب ديّةً له أكبر من ديّة بول ريجيني، ولو شاء لطلب تحقيقاً دولياً، "وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا"، لكنّ مصر تبيع الأصول السيادية أو تتصدّق بها.

النظام المصري مشغول في هذه الأيام بشأنٍ سياحي أطلق عليه اسم "التجلّي الأعظم"، وهو إحياء مسار خروج بني إسرائيل من سيناء، وقد نحتفل، قريباً، برأس السنة "الخروجية أو الأعظمية"، ويقول تبرير آخر لسكوته عن مقتله، إنّه لا يريد أن يفقد موقعه وسيطاً بين "حماس" وإسرائيل. وثالث: إنَّه يُظهر الحلم والعفو، على سنّة عيسى عليه السلام المثالية، وقد مرَّ مع حواريه بجيفة كلب: فَقَالَوا: مَا أَنْتَنَ رِيحَ هَذَا؟ فَقَالَ: "ما أشَدَّ بياضَ أسْنانِه".

عاد عبد الله رمضان شهيداً، وقالت رواية مصرية سياسية إنّه مات نتيجة تراشقٍ متبادلٍ بالنار بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة، ومن لطف الرواية أنّها لم تتّهم المقاومة بقتله، وكان الجيش الإسرائيلي قد انتهك معاهدة السلام فاحتلَّ الشريط الحدودي، الذي أطلق عليه اسم أميركي هو فيلادلفيا (Philadelphia)‏ وهي أكبر مدن ولاية بنسلفانيا، وخامس أكبر مدن الولايات المتّحدة من حيث عدد السكان، اسم المدينة مأخوذ من اللغة اليونانية، والتي تعني "الحبّ الأخوي". ولو اجتهدنا لوجدنا أصل الاسم عربياً، وهو: "وله الوليف"، تقول "ويكيبيديا" إنَّ الإسرائيليين أطلقوا على محور صلاح الدين هذا الاسم الرقيق اعتباطاً، وليس كذلك، فاسم صلاح الدين يثير رعبهم، وقد استبدل به جيش الحبّ الأخوي اسمَا لطيفاً، على نقيض تسميات مدن أميركا بأسماء عربية. يسمّون مدنهم بأسماء مدننا رغباً، ويسمون مدننا بأسماء مدنهم كرهاً.

تُقدّر أسماء المدن والبلدات والقرى، التي تحمل أسماءً عربيةً في أميركا، بأكثر من 315، ويرى أصحاب العلم أنَّ كثيراً من هذه الأسماء اتخذ في القرن الـ 19، حينما كان الغربيون ينظرون إلى "الشرق الأوسط" مصدراً للإلهام والبركة. ويعتقدون أنَّ أميركا هي أرض الميعاد. توجد في الولايات المتّحدة ثلاث مدنٍ صغيرة اسمها "مكّة"؛ إحداها في ولاية كاليفورنيا، والثانية في إنديانا، والثالثة في أوهايو، و18 مدينة وبلدة تحمل اسم "مدينة"، خمس منها في تكساس. وست مدن باسم "القدس". ومن العجيب أنَّ النظام المصري، بعد مقتل عبد الله رمضان، ألزم الشعب المصري بدفع ديّته وكفّارته لمن لم يجد عتق رقبة (تحرير سجين مثلاً) صيام شهرَين متتابعَين، وبما أنّه نظام علماني فقد وجد بديل الصيام في رفع سعر رغيف الخبز، الذي يُكلّف رئيس الدولة ستّة جنيهات، ويأكله المصري من عرق رئيس الدولة بخمسة قروش (!)

ما يزال كاتب هذه السطور مُخاصماً المُتحدّث العسكري باسم القوات المسلّحة لوصف مقتله بالحادث البسيط، لعلّه قصد أنّه رخيصٌ في سبيل الله، أو في سبيل الوطن، لو مات في سيناء لكان أغلى شهادة وأفضل مثابة عند النظام المصري، ولكُرّم، ودعيت أمُّه الثكلى إلى حفلة من حفلات الرئاسة، وبكى الرئيس عليه بدموع حَرَّى.

سرعان ما تبيّن سبب القتل من خبر في القناة الإسرائيلية 14، عن مصدر رفيع المستوى، قال إنَّ القيادة المصرية وافقت على طلب القتلة سحب الذخيرة الحيّة من أسلحة أفراد الجيش المصري في معبر رفح، على طول شريط الحبّ الأخوي، وهذا يعني أنّ حرس الحدود سيتحوّلون "نواطير" للحدود "بذخيرة ميّتة". صديقي المصري، الذي شكوت إليه همّي وبثّي، يقول: ما زلنا بخير ونعمة أنّهم لم يجبروا عسكرنا على لبس الثياب المدنية أو حراسة الحدود بزيّ البحر، أو زيّ حوريات البرّ.

ما أَشدَّ بياضَ أَنياب هذا النظام، أبو ضحكة جنان، مليانة حنان.

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."