هذه الحملة على اللاجئين
لا يمكن اعتبار الحملة العنصرية الكبيرة التي يشهدها لبنان ضد اللاجئين السوريين عفوية أو غير مرتبطة بمواقيت سياسية خاصة بالتحولات التي تشهدها المنطقة، بل يمكن القول إنها منظمّة ومدعومة من كل الأطراف السياسية اللبنانية لأهداف معينة، منها ما هو مرتبط بالوضع الداخلي المتجمّد والمعقد، ومنها ما له علاقة بالتطورات الخارجية، والتي لا تزال تضع لبنان خارج الحسابات.
منذ أكثر من أسبوعين، تشهد الساحة اللبنانية، رسمياً وشعبياً، هجمة عنصرية كريهة ضد اللاجئين السوريين الموجودين في البلاد، أو السوريين بالعموم، بغضّ النظر عن كونهم لاجئين أم لا، إذ من المعروف أن لبنان، وقبل الثورة السورية التي اندلعت قبل نحو 12 عاماً، كان مقصداً لكثير من السوريين بحثاً عن عمل، وبقي كذلك حتى بعد الثورة، فليس كل الموجودين في البلاد هاربين من بطش نظام بشار الأسد، بل منهم من لا يزال يزور أهله في سورية ويعود إلى عمله في لبنان.
كان هذا كله معروفاً ومتعارفاً عليه منذ سنوات، وزادت عليه موجة اللجوء التي رافقت الثورة السورية. ورغم أن هذه الموجة شكلت إلى حد ما عبئاً على لبنان، على غرار سائر الدول المحيطة التي شهدت موجات مماثلة، إلا أنها، في الوقت نفسه، كانت باباً لدخول العملة الصعبة إلى البلاد عبر المساعدات الأممية والأوروبية التي كانت، وما زالت، تقدّم إلى هؤلاء اللاجئين، والتي ساهمت، إلى حد كبير، في دعم اقتصاد الدولة اللبنانية التي لم تصرف من جيبها على اللاجئين الهاربين من سورية.
إضافة إلى ذلك، فإن اليد العاملة السورية، والتي يرى لبنانيون أنها تزاحم أبناء البلاد في أرزاقهم، كانت موجودة في لبنان منذ عقود، وكان لها دور أيضاً في دوران العجلة الاقتصادية، خصوصاً أنه ليس خفياً أن كثيراً من المهن والأعمال التي يقوم بها السوريون، ينأى غالبية اللبنانيين عن القيام بها. ولو افترضنا فعلاً أن الحملة العنصرية الحالية نجحت في إعادة كثير من السوريين "طوعاً"، بحسب زعم الدولة اللبنانية، إلى بلادهم، فإن أكثر المتضرّرين سيكون اللبنانيون أنفسهم. ربما على اللبنانيين مراجعة نتائج "بريكست" البريطاني الذي قام على إخراج الأوروبيين من البلاد، وانعكاساته على الاقتصاد بعدما شحت اليد العاملة التي كانت عنصراً أساسياً في انتعاش الاقتصاد البريطاني.
لكن بغض النظر عن هذا المثال، يمكن العودة إلى الحملة الحالية وتوقيتها والسعي إلى تحميل السوريين مسؤولية الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان، رغم أنهم كانوا جزءاً من تخفيف حدتها عبر المساعدات الدولية التي كانت تصل لهم. وبعيداً عن الأسباب الداخلية التي تدفع الحكومة والأطراف السياسية، بين حين وآخر، إلى إلهاء اللبنانيين بقضايا تبعدهم عن الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية التي يصارعها لبنان، هناك العامل الخارجي الأساسي الذي يفسر الحملة الحالية على اللاجئين السوريين. عامل مرتبط بمحاولات التطبيع العربية عموماً، والسعودية خصوصاً، مع نظام بشار الأسد. فالأطراف اللبنانية عموماً لا تنظر بعين الرضا إلى خطوات التطبيع هذه، والتي تستثني لبنان، وهو الذي عمل جاهداً خلال السنوات الماضية إلى استجداء الدعم الخليجي لانتشال البلاد من الأزمة الاقتصادية، غير أنه كان يواجه حائطاً مسدوداً، بعدما أخرجت غالبية الدول الخليجية لبنان من حساباتها، بعد مساهماتها الكثيرة السابقة في دعم اقتصاده، والتي ابتلعتها دوّامة الفساد التي لم تتوقف في البلاد.
الحملة الحالية على السوريين هي محاولة لبنانية جديدة، منسقة من كل الأطراف السياسية، للإشارة إلى أن لبنان جزء من الأزمة السورية، وبالتالي يجب أن يكون مشمولاً في أي حلول مقترحة لها. نتيجة هذه الحملة سياسياً غير مضمونة، بعدما يئست الدول المانحة من المساعدات المجّانية للبنان، لكن ما كشفته من مشاهد عنصرية قبيحة سيبقى راسخاً في الأذهان.