هادي.. رئاسة قيد الترميم

23 فبراير 2015

يمنيات في اعتصام ضد الحوثيين في صنعاء (21 فبراير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
يجوز اعتبار هروب عبد ربه منصور هادي، ليلاً، من منزله في صنعاء إلى عدن، أو تهريبه على الأصح، تنويعاً جديداً في تهشيم صورة الرئيس العربي، بدءاً من توسل بن علي التونسيين الهدوء، لمّا أبلغهم أنه فهمهم، عشية فراره المعلوم، مروراً بالمشهد الكاريكاتوري للقذافي، وهو يتوعد الليبيين "زنقة زنقة"، ثم قتله لمّا عُثر عليه في مخبأ، ثم التفرّج على جثته في امتهان مستنكر لموته. وثمّة محمد حسني السيد متولي مبارك في قفص، وإنْ بدا ريّانَ متورد الوجنتين، يخفي عينيه بنظارتيْن سوداويين. وهذا بشار الأسد يتسلى ملايين السوريون بتسميته مختاراً في قصر المهاجرين، لمحدودية سلطته في دمشق. وفي تحطيمهم وحرقهم تماثيلَ لوالده، حافظ الأسد، يغسل السوريون آثار خوف مديد فيهم من هذا الرجل الذي كانت نظرةٌ إلى صورته تبعث على الجزع. تتابعت هذه المشاهد، في السنوات الأربع الماضية، وسبقها مشهد ضابط أميركي أقرع يتفحص فم صدام حسين، ويفلّي شعره المنفوش، وهو رئيسٌ كنّا نعجز، في بغداد، عن عدّ التماثيل التي تشخّصه قدّام عيوننا بطلاً هصوراً. ومع هذا التتابع الذي عبَر فيه علي عبد الله صالح محروقاً، لم تعد للرئيس العربي الصورة التي أراد أن يتوهّمها رعاياه أبديّة لفخامته. ونظنّها تندس بين تلك المشاهد ثرثرة عبد الفتاح السيسي السوقية مع موظفٍ في مكتبه، في مكالماتٍ هاتفية مسربة، وقد جعلته شخصاً يصلح للتسلية في المصاطب، فيما هو جنرال مخابرات حربية سابق، ورئيس جمهوريةٍ راهن، وإنْ يتخيّل أن تقطيبته في نوبات غضبه التلفزيونية تصيّره زعيماً، وأيَّ زعيم.
لم يكن ممكناً أن تصور الكاميرات الرئيس اليمني، شبه المستقيل، هادي، وهو هارب في ليل بهيم، بترتيب سري، قد تنكشف تفاصيله لاحقاً، غير أن حاله تُحاصره جماعةٌ مسلحة، وتفرض عليه إقامة جبرية في منزله، بعد اضطراره إلى تقديم استقالته، يتيح للمخيلة أن ترسم وضعاً بائساً، ويبعث على الشفقة، كان فيه هذا الرئيس العربي الذي لم يرحمه يمنيون عديدون، في السخرية من عجزه وضعفه، في الشهور الفائتة، وقد استدعيت في غضونها مقاطع من سيرته، ظلاً سابقاً لسلفه، ثم رئيساً "توافقياً انتقالياً". ولكن، ثمّة حزمة مفارقات يحدثها الهروب الكبير من الاحتجاز في صنعاء، منها أن في وسع عبد ربه منصور هادي أن يرمّم صورته المهشّمة، بل وأن يساهم جدياً في ترميم الحال اليمني كله، إذا ما لملم سلطتَه المتداعية، وسلّحها بما يتيسر من مهابة. في وسعه هذا، طالما أن الرهانيْن، المحلي الداخلي والإقليمي الخارجي، عليه كثيران، وطالما أن الشرعية التي يحوزها وحدها التي يمكن البناء عليها، للتحرّر من سطوة جماعة الحوثي المسلحة على مؤسسات الدولة اليمنية وأجهزتها.
في وسع هادي أن ينقذ صورته رئيساً فاراً بحيلة مدروسة (ورشاوى مرجحة؟)، من أن تندرج ضمن تلك الصور التي تتابعت عن رؤساء عرب، مخلوعين وسابقين وحاليين، فيصير فراره هذا من منزله، المنهوب تالياً، في صنعاء، إلى مقرٍّ في عدن يزاول فيه ما أمكن من رئاسته، انعطافةً كبرى في تصحيح الحال اليمني التعيس. والبادي أن حماساً خليجياً، وسعودياً أساسياً، له إذا ما أتقن أداءه، وإذا ما تداعى مجتمع مدني يمني عريض، في العاصمة وعموم الحواضر، إلى حركةٍ جماهيريةٍ سلمية، تدعم قراراته المرتقبة، وإذا ما تشكل ظهير قبائلي واسع له، وإذا ما نشطت حيوية سعوديةٌ باتجاه تعاون مستعاد مع التجمع اليمني للإصلاح، وإذا ما تأكد لإيران، عملياً وميدانياً، أن حساب السرايا غير حساب القرايا... إذا ما تكاملت وقائع من هذا القبيل وغيرها، وبسرعة، فإن صورة منصور هادي مهرّباً من منزله ليلاً ستنجو من اعتبارها تنويعاً في صورة الرئيس العربي المهشمة.


معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.