هؤلاء الإسلاميون
تلحّ قناة العربية على وصف رئيس الحركة الإسلامية، الجنوبية، في فلسطين، منصور عبّاس (طبيب أسنان، 47 عاماً)، بأنه "إخواني"، بغرض التعريض بجماعة الإخوان المسلمين، في متن الأخبار التي تواترت أخيراً عن الرجل، بشأن قرار مجلس شورى الحركة التي يتزّعمها، المشاركة في حكومة ائتلاف حزبي يائير لبيد ونفتالي بينت المتوقع تشكيلها في إسرائيل. ولا تفيد المطالعات عن هذه الحركة بأي ارتباط تنظيمي لها بالإخوان، ومعلومٌ أنها تغاير الحركة الإسلامية، الشمالية، بقيادة الشيخ رائد صلاح، بأنها تجيز المشاركة في الانتخابات البرلمانية في الدولة العبرية، فيما تكتفي الأخيرة بقبول المشاركة في الانتخابات البلدية. وبعيداً عن الرثاثة البادية في انعدام مهنية تلك الفضائية، فإن منصور عبّاس يذهب بعيداً في "البراغماتية" لدى تشكيل سياسي ينتسب إلى ما شاعت تسميته (غير الدقيقة بالمناسبة) الإسلام السياسي، عندما يعلن عن دخول ممثلين عن كتلته في الكنيست (أربعة نواب) في الحكومة الإسرائيلية المرتقبة، والتي يلوّنها اليمين واليمين المتطرّف فيها بتوجهات شديدة العدوانية ضد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يسوّغه الرجل بأنه "لتغيير موازين القوى السياسية في البلاد"، وهو كلام لم يقنع أحداً في أي من التشكيلات الحزبية والسياسية العربية في داخل الخط الأخضر، حتى إن العضو في حزب التجمع الوطني الديمقراطي، سامي أبو شحادة، نعت هذه الفعلة التي لم يحدُث لها مثيل منذ نكبة فلسطين قبل 73 عاماً، بأنها "جريمة كبيرة جداً". ومعلوم أن منصور عبّاس كان قد أشاد باتفاقيات التطبيع، المعلنة قبل شهور، بين أربع دول عربية وإسرائيل.
ما هو ماثلٌ في الذي صارت عليه الحركة الإسلامية هذه يجوز حسبانه صنفاً من البراغماتية، أو الانتهازية النفعية، القصوى، لدى تشكيل سياسي إسلامي عربي. أما الذي فعلته جمعية المنبر الوطني الإسلامي، في البحرين، والمنتسبة إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، في سبتمبر/ أيلول الماضي، فشيءٌ من هذا، إلى حد ما. عندما امتنعت عن المشاركة مع 17 جمعية ونقابة ورابطة في المملكة الخليجية، في إصدار بيانٍ يرفض بشكل قاطع اتفاق العلاقات الطبيعية الكاملة مع إسرائيل، ويدين كل أشكال الاتصال معها، وآثرت المشاركة مع ثلاث جمعيات أخرى في إصدار بيانٍ مختلف، لا يجد ما يمنع من توقيع الحكم تلك الاتفاقية المعيبة. وفي البال أن الجمعية الإسلامية (الإخوانية) ظلّت تساند السلطة في غير قليلٍ من ممارساتها وخياراتها، في صدد التنازع الحادث في البلد بشأن إصلاحاتٍ مُطالَب بها، وغالباً ما كانت بواعثها في هذا طائفية.
وغير منسيةٍ تلك البراغماتية في مشاركة الحزب الإسلامي العراقي في مجلس الحكم الانتقالي الذي أقامه الاحتلال الأميركي، شهوراً بعد الغزو المعلوم في 2003. وقد ظلّ هذا الحزب يعد الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في العراق، وهو الذي عارض ذلك الغزو، وتالياً انسحب وزراء منه في إحدى حكومات ما بعد الاحتلال احتجاجاً على الحصار الأميركي على الفلوجة واستهدافها في 2004. وقد سوّغ الحزب مشاركته في مجلس الحكم الذي انبنى بذهنيةٍ طائفيةٍ بأن المجلس صيغة أولى باتجاه الاستقلال، بالتفاهم مع الأميركان... وهناك، في الجزائر، ثمّة تجربة حركة مجتمع السلم (الإسلامية) والتي أسّسها الراحل محفوظ نحناح في 1990، رأت أن المشاركة مع النظام والسلطة والحكم، في مختلف الاستحقاقات الانتخابية والاستفتاءات، كما فعلت، من دون مغالبةٍ أو مناوشة، أجدى لـ "جمع الشمل"، وعرفت غير حكومةٍ وزراء من الحركة. ونشطت، في جهودٍ لرأب الصدع، بعد وقف المسار الانتخابي والانقلاب المعلوم على نتائج أول اقتراع تعدّدي في البلاد، وحازت فيه جبهة الإنقاذ المنزلة الأولى، ثم صار العبور إلى "العشرية السوداء" إياها. وعلى اختلافٍ كبير وبيّن، لا يُغفل، في مقام الحديث الجاري هنا عن براغماتية أطيافٍ من الإسلاميين، عن المسلك الذي اتّبعه حزب النور (الإسلامي السلفي) في مصر، عندما لم يكتف بالصمت عن فظاعات الانقلاب العسكري بعد 2013 بحق إسلاميين آخرين، بل تماهى مع السلطة، وانتصر لها في كل مناسبةٍ وسانحة.
ولمّا كان كل تشكيلٍ حزبيٍّ إسلامي، جيء عليه أعلاه، كان يستهدي بتأويلاتٍ من الدين والشرع الإسلامي لتسويق براغماتيته، كما فعل أخيراً مجلس شورى حركة منصور عبّاس، فذلك يفتح نقاشاً، يطول الشرح والأخذ والرد فيه كثيراً.