نوبل للآداب وأسئلة الترجمة

12 أكتوبر 2021

روايات لعبد الرزاق قرنح معروضة في الأكاديمية السويدية في استوكهولم (7/10/2021/فرانس برس)

+ الخط -

على هامش جائزة نوبل للآداب التي مُنحت أخيرا للكاتب التنزاني - الإنكليزي من أصل يمني، عبد الرزاق قرنح، والسجال الذي رافق الإعلان عنها حول تجاهل المترجمين العرب الأدب الأفريقي عامة، وعدم وجود أيٍّ من كتب الفائز مترجما إلى العربية، لا بد من طرح بعض الأسئلة:
هل يكفي أن تتقنَ لغةً أجنبية لكي تصير مترجمَ أعمالٍ أدبية منها وإليها؟ لا، لا يكفي. لأن الترجمة الأدبية تتطلّب ثقافةً وإدراكا ومعرفةً وحساسيةً تتجاوز إتقان مفاتيح لغوية بعينها أو امتلاكها، إلى وعيٍ بالحدّ الأدنى لثقافة الآخر وطرق عيشه وشيء من تاريخه ونوعية أزماته ومآلها. فالرواية، والآداب بشكل عام، هي ابنة بيئتها بعِقَدها وأزماتها وصراعاتها. هناك بالطبع الجانب الإنساني الذي قد لا يختلف كثيرا بين مجتمع وآخر، لكن، من لا يدرك التلوينات والتدرّجات الصغيرة التي تحكم عالمًا ما ينوي ولوجه والخوض فيه، لن يجيد سبر أغوار النصّ المنكبّ على ترجَمته بهدف بلوغ جوهره و خلاصته ونقله إلى لغة أخرى.
هل يكفي أن تتقنَ الترجمةَ لتختار الكاتبَ أو الكتابَ الذي ينبغي ترجمته؟ قطعا لا. فلقد أخبرتنا التجربة أن كثيرا ممّا يتمّ اقتراحه للترجمة في الدور الغربية عامة، على سبيل المثال، لا يعبّر دائما عن خصوصية الأدب المنتج في بلد عربي ما، بقدر ما يراعي اعتباراتٍ أخرى من بينها الذائقة، والعلاقة الشخصية، ومحدودية الثقافة الأدبية لدى المترجم واطلاعه على ما يُنتج محليا وعالميا، إضافة إلى الخلط التعيس بين معايير الانتشار ومعايير الجودة، إلخ.
هل يقع على عاتق المترجم جزءٌ من مسؤولية إنهاض الثقافة وتطويرها وتمكينها؟ نعم، إلى حد كبير. فهكذا للأسف، يجهل أو يتجاهل المترجمُ مِن العربية وإليها المسؤولية الكبيرة التي تقع على عاتقه، ومساهمتَه المخرّبة أحيانا في نشر كتب سطحية وفي تعميم ثقافة "الميديوكر" (ما هو دون المستوى الوسط)، مع ما يعنيه ذلك من إضاعة البوصلة والاحتفال بأعمالٍ لا تستأهل أن يُهلّل لها، مقابل أعمال مهمّةٍ تبقى طي التجاهل، لأن المترجم لم يكلّف نفسَه عناء البحث عنها. أجل، لقد بات المترجمُ من العربية إلى لغة أجنبية على سبيل المثال صاحب نفوذ ينبغي إرضاؤه وممالأته ودعوته وإغراؤه، علّه يقبل بمدّ سجّادة "العالمية" تحت أقدامنا، تلك العالمية التي ما زالت تتجاهل نتاجنا، وتنظر إليه أنه أدب "قاصر" غير جدير بالاهتمام. أما المترجم إلى العربية، فيعمل وحيدا، يتيما، متحرّرا بذلك من أي واجب أو تخطيط تفرضه عليه عادة مؤسساتٌ تموّل الترجمة ضمن خطة ثقافية شاملة.
لست أذكر هذه البديهيات كي أثقل كاهل المترجمين من العربية وإليها، ولهم كبير الفضل في تعريف العالم بعددٍ لا يستهان به من كتّابنا، وفي تعريفنا بكبار الكتّاب العالميين. لكن، لا بدّ من تذكير بعضهم، وهم يتزايدون، بأنّ الترجمة لم تعد مبنيةً على القيمة حصرا بقدر ما باتت خاضعةً لاعتباراتٍ تسويقيةٍ ومالية، في حين أنها عمليةٌ إبداعيةٌ بالدرجة الأولى. فهي كتابة وليست نقلا، مع التذكير بأن كبار الكتّاب كانوا مترجمين لأهم التحف الأدبية التي وصلت إلينا في ما مضى، وهو ما يلفت الانتباه إلى أن جزءا مهمّا من عالم الترجمة وأدواتها ومقوّماتها ضاع في الطريق سهوا.
سؤال أخير: ما الذي يمنعنا نحن الكتّاب العرب من ترجمة أعمال أدبية عالمية نكتشفها ونحبها ونؤمن بضرورة نقلها إلى العربية؟ عمل واحد قد يكفي. ألم يفعل أسلافنا هذا من قبلنا؟ ألم تكن الفترات التي نشطت فيها حركة الترجمة هي من أكثرها خصوبة وإنتاجا؟ ولمَ ترانا لا نقترح على الأقل أعمالا للترجمة لا تحظى بالترويج، ولا يلتفت إليها بالضرورة المترجمون أو القرّاء؟

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"