نهاية الانشغال بالانتخابات الإسرائيلية

02 مارس 2021
+ الخط -

بعد نحو ثلاثة أسابيع، تجري انتخابات إسرائيلية رابعة في غصون عامين، من دون أن تثير وقائعها المرجّحة، سلفاً هذه المرة، تلك الدرجة العالية من الاهتمام والترقب، اللذين كانت تحظى بهما، في السابق، من قادة الرأي العام في العالم العربي. وكذلك من غير أن تصاحبها سلسلة طويلة من التعليقات والتحليلات التي كانت تملأ الفضاء الإعلامي لدينا، وتجعل من الواقعة هذه حدثاً داخلياً صرفاً، لكثرة ما كان يُتحفنا به خبراء الشؤون الإسرائيلية العرب، من تفاصيل مملةٍ عن ماهيات القوائم المتنافسة.
وأحسب أن من سيمرّ على العنوان أعلاه متعجلاً سيقول، في نفسه لنفسه، وهو محق بعض الشيء، لماذا الالتفات إلى الانتخابات الإسرائيلية، بدلا من العناية بالانتخابات الفلسطينية مثلا؟ هل انعدمت الموضوعات الجديرة بالمتابعة في البلدان العربية الطافحة بالقضايا الساخنة، حتى يقفز كاتب صحافي من فوقها جميعاً، ليشغل بالنا بمسألةٍ سقطت من مركز اهتمام الرأي العام، ويستقطع من وقتنا المزدحم بالتطورات الخطيرة، مساحة زمنية ضائعة، مهما كانت قصيرة، كي يُدخلنا في متاهةٍ لا فائدة تُرجى من السير في دهاليزها؟
والحق، إنه في زمن الخواء والتصحر السياسي العربي، كانت الانتخابات العامة الإسرائيلية بمثابة لعبةٍ مسلية، أو مباراة في دوري التصفيات النهائية، تجري في الجوار، وتُنقل على هواء البث التلفزيوني المباشر من دون تشفير، الأمر الذي كان يوقف حالة التثاؤب بعض الوقت، أو يطيّر النعاس من جفون قوم، كان بعضهم يحسد العدو، يعقد المقارنات ويتحسّر على حاله، وبعضهم الآخر كان يقرأ المشهد بلا أي انفعال.
ولعل انصراف العالم العربي عن المتابعة الحثيثة لهذه الانتخابات، في هذه الآونة، مردّه عوامل كثيرة، ومتغيّرات حدثت تباعاً في زمن الربيع العربي. أولها أن الأولويات لدينا قد تبدلّت، وأن الهموم الملحّة قد تكاثرت. وثانيها أن اللعبة الانتخابية الإسرائيلية ذاتها قد فقدت وهجها السابق، وباتت عابثةً ومبتذلة، حتى لدى كثيرين من سدنتها، وذلك لكثرة ما راح يكتنف جولاتها المتقاربة من ألاعيب صغيرة، أو قل فضائح معيبة، وتسود دهاليزها منافساتٌ محض شخصية تافهة.
بتدقيق أكثر في هذا المشهد الانتخابي، الجاري من دون إثارة شديدة، حتى بين المتسابقين على كسب أصوات غلاة المستوطنين والمتطرّفين، ومن لفّ لفهم، تجد أن التنافس بات محصوراً بين اليمين القومي والديني المتطرّف واليمين الأشد تطرّفاً، ليس على البرامج، الاجتماعية والسياسية، وكلها نسخة واحدة، وإنما على من سيمسك بمقاليد الدولة العبرية، وتحديداً بين بنيامين نتنياهو وخصومه، الأمر الذي أفقد الجولة الرابعة هذه جل ما كانت تتمتع به الجولات السابقة من ترقب وحرمها من مراهنات.
فيما مضى من زمن غير بعيد، كانت المتابعات لهذه الانتخابات المنتظمة تُخفي لدى بعض بيننا إعجاباً مكتوماً بهذه اللعبة الديمقراطية الخاصة بالمجتمع اليهودي من دون غيره، سيما وأنها كانت تجري بشفافيةٍ تامة ونزاهة، على عكس ما كانت تجري عليه تجارب انتخابية في بلادنا العربية. أما اليوم، وبعد انتهاء ما كان يُعرف باليسار الصهيوني، فقد خسرت هذه الميزات كل سحرها، كما تحوّلت هذه الانتخابات الطافحة بالمكائد الوضيعة إلى ملعب مفتوح لتصفية الحسابات الشخصية.
إزاء ذلك كله، بات الأمر بمثابة تحصيل حاصل، أن يدعو الكاتب كل من يشاركه الاهتمام بشؤون الحالة الإسرائيلية إلى التعليق على انتخابات الكنيست، من غير انبهار بتجربةٍ، لها ما لها وعليها ما عليها، وأن يحث كل من يعنيهم الأمر إلى تقليب صفحات هذه العملية المليئة بالمهازل السياسية والأحابيل الحزبية الضيقة. وأحسب أنه صار من حقنا أن نهزأ، بعد الآن، بما كانت تسمى "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، خصوصا وقد تمظهرت اليوم بكل تمظهرات "ديمقراطيات" العالم الثالث.
بجولة يومية منتظمة على مواقع ومنصّات عربية عديدة، متناثرة على الشبكة العنكبوتية، يجد المرء صعوبةً بالغة في العثور على خبر أو مقال يتعرّض لهذه الانتخابات التي لم تعد تشغل، بدورها، حيزاً واسعاً من الصحافة الإسرائيلية، على نحو ما كان عليه الحال في السابق، وهو أمر يشير، من جهة أولى، إلى نهاية انشغال الرأي العام العربي، على نحو محموم، بهذا الموسم الانتخابي الزائف، ويؤكّد، من جهة ثانية، انطفاء بريق هذه الظاهرة المضلّلة.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي