نرجوكم أريحونا من الوطنيّة سنتَين

06 يونيو 2024
+ الخط -

باب الوطنيّة من صلب اختصاصنا وحدنا، ومفاتيحه معنا وحدنا، ولا يشاركنا فيه أحد. نحن، أيضاً، في حاجة لدفع ثمن الدّخان والدجاج، ونحن، أيضاً، في بداية موسم جمع القمح، وسعر الأقماح، كما تقول المُؤشّرات كلّها سوف يرتفع جدّاً، خصوصاً أنّ الحرب الروسية الأوكرانية اشتد لهيبها ودخلت مراحلها الحرجة، وقد بدأ النووي يخرج من سراديبه، كما أنّنا في أول الصيف نحتاج المزيد من الأوكسجين للمستشفيات ودور الرعاية للمسنّين، فهل نغلق المستشفيات من أجل الوطنيّة وشغل العيال، أو نُؤخّر واردات "اللانشون" في الموانئ، أم نلتفت إلى موسم الحج، وبذلك تُحرَم الجماهير من إطلالة أحمد موسى وهو يلهج بالتكبيرات من فوق جبل عرفات؟

نحن نربّي الوطنيّة في منادرنا منذ نعومة أظفارنا، وعيوننا، أيضاً، مُصوّبة على أزمة الدولار، ومياه النيل أيضاً، وما زال الإنتاج السينمائي في حالة غير جيّدة، وبيننا وبينكم مسلسلات رمضان ومحمد رمضان، وكفاكم لعب بالنار والشال الفلسطيني في الملاعب، لأنّ تلك هي الألعاب التي نعرفها جيداً، وقد حفظناها عن ظهر قلب. كما أنّ حجر رشيد هو حجرنا وحدنا، ولا نُفكّر، أبداً، في بيع أبي الهول، ولا مبنى الحزب الوطني، لأنّه ببساطة من ثوابتنا الوطنيّة.

أغلقوا كلّ أبواب الوطنيّة، ولو مُؤقّتاً، وقد نعود إليها، قريباً، وهي في أبهى صورها، فالعالم عيونه كلّها علينا، ولا نَملّ أن نقولها مراراً: "نحن وطن مُستهدَف، والجميع يريد أن يُدمّر تجربتنا الفريدة في الحكم"، فكلّ العلماء الأجلّاء في الفقه في حالة حلّ وترحال، من حضرموت حتّى الأندلس، وفي حالة تنقيب وبحث وانتقاء، كي تكون العلوم صافية كالعسل، ويسيرة، كما يفعل سعد الهلالي، والمخطوطات المُيسّرة في طريقها إلى الوصول إلى الأعمار كافّة، وخالد الجندي يسانده كتفاً بكتف، من دون أن يهتمّ بالحكّام أو الأثرياء الجدد، ولكلّ مقولة ملبس ومزاج، والشيلان عديدة الألوان موجودة في الدواليب بعدد وافر، والحمد لله! وخاصّة عائلة الأخضر والبنفسجي على أكتاف الشيخ علي جمعة، فهل من تيسير، بعد ذلك، ودول بالقرب منا لا تجد حتّى ثمن الدّخان، وعلى الجميع أن يحمد الله.

الوطنيّة ملكنا ولا ينازعنا فيها أحد، فالمقتول ولدنا، ومن قتله نحن؛ الأحق بمحاسبته وفقاً لبرتوكولات معمول بها، والأمور كلّها عادية وتحدث في أكبر العائلات الدولية، وواحد من هنا وواحد من هناك، كما يقال دواليك، ولا حاجة لتقليب فطائر الدم على الناس، والناس لا تجد ثمن الدّخّان من الأصل، أما عدونا الخائن فهو الأولى بالمحاربة، حتّى وإن كان يسكن بهتيم أو الشيخ تلاتة.

الوطنيّة نحن؛ من نصب لها "عروق الخشب" في الميادين وساحات البلاد، ورسمنا على كلّ لوحة علم فلسطين وهو يُرفْرف، ونحن من لدينا أكبر علم وأكبر سارية علم وأكبر مسيرة ذاهبة إلى الصحراء لزراعة القمح، ولا أحد يزايد علينا في مثل هذه الأمور، أبداً، لأنّ هذه ملاعبنا من آلاف السنين.

نرجوكم أغلقوا بلكونات الوطنيّة في هذه السنة على الأقلّ، كي ننتهي من باقي مشاريعنا المُلحّة ونعبر بسلام إلى الشاطئ الآمن من ركب التقدّم، ونشتري كفايتنا من الشعير والذرة، والأسلحة أيضاً، فالوطنية كنّا "نداعب" بها الدولة الدينية التي اختطفتنا، أما نحن الآن فدولتنا، تلك، هي دينية ووطنيّة، وأيضاً، مدنيّة حتّى النُخاع، وناصرية، أيضاً، بـ"الميراث"، وساداتية بـ"البركة"، واشتراكية حتّى النُخاع، ورأسمالية، وفرعونية، وقبطية، وأزهرية، وكنسيّة، وصوفيّة، أيضاً، فلدينا كلّ طعوم الوطنيّة، ولا حاجة لنا إلى أيّ برلمان من برلمانات العالم أجمع، ولا إلبِ أيّ تماحكات حقوق الإنسان، فنحن نبني القصور بيدٍ ونزرع القمح بأخرى، ونستورد الأسلحة في الحاويات، ونحيّي العلم حتّى في المستشفيات، والعصافير في كلّ بلد تموت، والجنودُ أيضاً، وفي كلّ بلد تغرق العوامات وتهدم الجسور وتفتح المزلقانات لأيّ سبب، والقطارات وحوادث الطرق تحصد أرواح الملايين، وقد سقطت طائرة الرئيس الإيراني في غابة صغيرة، فدعونا نوفّر ثمن الرغيف والدّخان للفقير، ونحن في أيام امتحانات الثانوية أيضاً، والطلّاب يلزمهم كثير من الهدوء لصفاء الذهن.