نحو معركة أخرى على "صورة إسرائيل"
من المتوقع أن تنعكس التداعيات المترتبة على تأليف حكومة بنيامين نتنياهو السادسة في إسرائيل، والتي تؤطرها تعليقاتٌ محليةٌ بأنها ستكون "يمينية كاملة"، على مستويين بارزين: السياسة الإسرائيلية إزاء القضية الفلسطينية وإزاء الفلسطينيين عمومًا، سيما في الأراضي المحتلة 1967. والمآل المُنتظر لما توصف بأنها معركة أخرى في إطار "الحرب الثقافية" على صورة المجتمع اليهودي في دولة الاحتلال.
بالنسبة إلى المستوى الأول، أوضحت نتائج انتخابات الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي ارتفاع قوة الأحزاب المعارضة للتسوية السياسية، وعزّزت التقديرات التي يجري تداولها أيضًا في أوساط إسرائيليين كُثر. ووفقًا لها، لن تعترف إسرائيل بالفلسطينيين شعبا، ولا بحقهم في تقرير المصير، دع جانبا أنها ترفض "حلّ الدولتين". وفي أفضل الأحوال، ستوافق على حكم ذاتي فلسطيني مُوسّع، وسوف تستمر في توسيع المستوطنات في أراضي الضفة الغربية، ولن تُخلي البؤر الاستيطانية ... إلخ.
ولعلّ من شأن ذلك أن يضع نعت "الحكومة اليمينية الكاملة" ضمن السياق الذي يحيل إلى جوهر المعركة الأخرى في نطاق الحرب على الصورة الداخلية لإسرائيل في الأعوام المقبلة، والتي تدور رحاها بالأساس بين قوانين الشريعة اليهودية وقوانين الدولة. وقد ذكر أحد كبار أساتذة القانون، أخيرا، أن التعبير الأكثر بلاغة عن هذه المعركة يأني من خلال السؤال، المستفزّ عادةً، الذي يُوجَّه إلى السكان اليهود: هل أنتم يهود أكثر أم إسرائيليون أكثر؟ وهو السؤال الذي بالاستناد إليه يتم التقسيم بين يمين ويسار، وعمليًا هو نفسُه الذي يُسأل عمّا إذا كان منطقيًا منح امتيازات إلى اليهود أكثر من العرب، ففي أوساط كثيرة داخل المجتمع اليهودي هناك رؤية تفيد بأن المساواة تتناقض مع يهودية الدولة. ولا يدور الحديث فقط حول تفضيل أبناء مجموعة معينة على مجموعات أخرى، إنما حول عداءٍ بهيميّ في أوساط عديدة داخل المجتمع اليهودي للمواطنين الفلسطينيين.
في غمرة ذلك كله، تتّجه الأنظار إلى الصهيونية الدينية التي سيكون لها تأثير وازن في هذه الحكومة، وباتت في الأعوام الأخيرة خاضعةً أكثر فأكثر للتيارات المتطرّفة التي تعتبر المثليين شواذّ، وترى في التيّار الإصلاحي اليهودي "تيّارًا مسيحيًّا"، وتعدّ التوجّه بغية التعرّف إلى الآخر والمختلف خطيرًا.
ولا يجوز النظر إلى هذه المعركة الأخرى للانحياز إلى قوانين الشريعة، من دون الإشارة إلى أن مركز الثقل في الصهيونية الدينية أمسى للتيّار الأرثوذكسي - القومي (المسمى بالعبرية باقتضاب "حردلي") والذي يزداد قوةً، وهو تيّار يُعادي روح الثقافة العامة، والقيم الديمقراطية، ويعتمد توجهًا دينيًا أصوليًا إلى جانب أيديولوجيا قومية. وأخذ نفوذه بالتعمّق في الأعوام الأخيرة في جهاز التربية الرسمي وفي الجيش الإسرائيلي على وجه الخصوص.
وفيما يخصّ الجيش تحديدًا، قبل عدة أعوام، اعتمد البروفيسور ياغيل ليفي، الباحث الإسرائيلي الأبرز المتخصّص في موضوع العلاقة بين الجيش والمجتمع، مصطلح "ثقرطة الجيش" كي يصف تأثير حاخامي الصهيونية الدينية، الذين يشغل بعضُهم رئاسة المؤسسات التحضيرية للخدمة العسكرية وبعضهم الآخر يحتلّ رئاسة المدارس الدينية، على الجيش، ويقصد بذلك ظاهرة تقويض صلاحية الدولة وقوانينها في مقابل تعزيز صلاحية الشريعة اليهودية وقوانين الدين، إذ إنه، بحسب رؤية حاخامين، شرعية قوانين الدولة محدودة! وفي حال تناقضها مع قوانين الشريعة اليهودية، كما يفسّرونها، فإن الغلبة لقوانين الشريعة. ولا بُدّ من أن نشير إلى أن أحد أبرز الذين يتبنّون هذه الرؤية هو الحاخام العسكري الرئيسي الحالي للجيش، إيال كريم، الذي لديه آراء مشابهة حيال قضايا النساء والمثليين، وفي كل ما يرتبط بقوانين الحرب وفق الشريعة اليهودية، والتي تبرّر، برأيه، أفعالًا على غرار قتل جرحى ومواطنين أبرياء، وهي أفعال مُعرّفة وفق القانون الدوليّ بأنها جرائم حرب، عدا عن أنها مخالفة حتى لقوانين الجيش والدولة الإسرائيلية نفسها.
ومن نافل القول إن في بنية إسرائيل كثيرا مما يسمح بمزيد من دوس قيمة المساواة.