استمرار الحرب تحت وطأة "النفور من الخسارة"

23 أكتوبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

يبدو أن اغتيال زعيم حركة حماس، يحيى السنوار، لم يُسعف ساسة إسرائيل وقادة عسكرها ومؤسّستها الأمنية في تصويره نصراً، بل إن الذي شاع أكثر بعد الاغتيال أن هذا النصر ليس أكثر من وهمٍ بصريّ. في الوقت عينه لا توجد مؤشرات قويّة إلى أن حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة على وشك الانتهاء في الزمن القريب. واستمرار الحرب فترة طويلة يشكّل العصب الأساس في القناعة السائدة عند معظم أوساط الرأي العام الإسرائيلي، مثلما أظهر استطلاع "معهد سياسات الشعب اليهودي" الذي أجري في مناسبة الذكرى السنوية الأولى للحرب التي بدأت يوم 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ونشرت نتائجه قبل أيام. ولعلّ التفصيل الأبرز والأهم في هذا الاستطلاع جوهر السبب الرئيسي الذي يعتقد الإسرائيليون بأنه يقف وراء استمرار الحرب من دون أي خطّ نهاية بادٍ في الأفق. فأكثر من نصف الإسرائيليين (55%) يؤكدون أن سبب إطالة أمد الحرب يعود إلى أن لدى ائتلاف الحكومة الإسرائيلية الحالية مصلحة حزبيّة في ذلك، وهذا يعني بحسب معدّي الاستطلاع أن أغلبية الجمهور الإسرائيلي باتت مقتنعةً بأن أصحاب القرار يحتكمون، بالأساس، إلى مصالحهم السياسية والائتلافيّة حتى في أكثر القرارات مصيرية التي تتعلّق بالحياة والموت على مذبح الحرب.

وفي ما يخصّ تأثير اغتيال السنوار على مجريات الأحداث، تتصوّر أغلب التوقعات في كتابات المحلّلين الإسرائيليين سيناريوهات كثيرة، إنما جلّها يسير في اتجاه استمرار الحرب، ويؤكّد أن هناك سيناريو واحدًا يصعُب الكلام حوله: نهاية الحرب، إذ إن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو غير مستعد بتاتًا لسماع ذلك. ولذا لا تشهد صفقة تبادل الأسرى أي محاولةٍ للدفع بها إلى الأمام. ووفقًا لمصادر مطلعة على المفاوضات، "قد يتغيّر وضع الاتصالات بعد اغتيال السنوار"، ولكن الأمر الأكثر أهمية أن نتنياهو عزّز حجته حيال ضرورة الاستمرار في الحرب حتى... النصر.

وعلى سيرة النصر الذي يسعى إليه نتنياهو، وما زال بمنزلة لازمة لما يصدُر عنه من بيانات وتصريحات، يجدر التنويه بما يلي: أولًا، يؤكّد المقرّبون من رئيس الحكومة أن اغتيال السنوار هو بمثابة إنجاز مهم لإسرائيل، ولكنه لا يعني، في أي حال، نهاية حركة حماس التي أثبتت قدرتها على مواجهة الأزمات الصعبة، ناهيك عن أن أهداف الحرب لم تتحقق بالكامل، واستعادة المخطوفين هدف يُعتبر عنصر الوقت فيه حاسمًا. ثانيًا، عندما يتحدّث هؤلاء المقرّبون، والذين لا شك في أنهم ينطقون باسم نتنياهو، عن غاية إنهاء "حماس" فهم يشيرون إلى أن ما يخدم بلوغ هذه الغاية على نحو رئيس في الوقت الحالي هو تعزيز الضغط العسكري في شمال قطاع غزّة بالأساس، مثلما يفعل الجيش الإسرائيلي في الآونة الأخيرة، وكذلك تكثيف الجهود لضرب البنية التحتية العسكرية والتنظيمية للحركة في أراضي الضفة الغربية.

ويبدو أن ما اقتضى التنويه بهذا التأكيد من المقرّبين من نتنياهو أن حركة حماس ليست على وشك الانتهاء، أن عدّة كتابات إسرائيلية تتحدّث منذ فترة عن استحالة تحقيق إسرائيل حسمًا عسكريًا لا في قطاع غزّة ولا في لبنان، وأضيف إلى ذلك أخيرًا التشديد على أن ما يحكم الإصرار على الاستمرار في الحرب هو عامل "النفور من الخسارة" المستمدّ من علم النفس المعرفي، والذي بمدى ما ينطبق على مجال الاقتصاد يسري على الحروب أيضًا.

ما هو جليّ أن إسرائيل ما زالت، حتى بعد اغتيال السنوار، تعلن إصرارها على تحقيق هدف القضاء على المقدّرات الحكومية والعسكرية لحركة حماس، وثمّة من يلفت إلى أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال السيطرة على قطاع غزّة بكامله، والبقاء فيه فترة طويلة، لا سيّما إذا كانت تريد إيجاد ظروفٍ لإنشاء بديل عن حركة حماس. وهذه معضلة يمكن القول إنها ترافق الواقع منذ بداية الحرب.