مونديال قطر استثنائي فعلاً
يُسدل الستار اليوم على الحدث العالمي الرياضي الأبرز على الكوكب، والذي نجحت قطر في استضافته بشكل فاق توقعات كثيرين، حتى المقيمين فيها الذين كانوا يتخوّفون من فوضى ممكنة، بالنظر إلى ما تابعوه على الشاشات من شغب واشتباكات بين المشجّعين والشرطة في أكثر من كأس عالم أو بطولة أوروبية. وكان لسان حال هؤلاء يقول، إذا كان هذا يحدُث في هذه الدول الكبيرة والمتمرّسة في استضافة البطولات، فما بالك بما يمكن أن يحدُث في قطر، وهي الدولة الصغيرة مساحة وعدد سكان. ولهذا السبب أيضاً، كانت المخاوف من ازدحامات خانقة مع العدد الكبير المتوقع حضوره من الجماهير والإعلاميين والرياضيين والضيوف الرسميين وغير الرسميين، إضافة إلى إمكان دخول الجمهور السعودي عبر البر إلى قطر ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد المركبات.
غير أن كل هذه المخاوف تقلصت مع اليوم الأول من البطولة واندثرت في يومها الأخير، إذ يبدو أن السلطات القطرية لم تترك أي فرضية إلا ووضعتها في الاعتبار لتفادي أيٍّ من المشاكل السابقة التي كانت تحدُث خلال البطولات العالمية وأهمها كأس العالم. ويمكن القول إن البطولة انتهت من دون أي حدثٍ أمني يذكر، حتى من دون أي إشكالٍ بسيطٍ بين بعض المشّجعين، أو على الأقل لم نسمع به، رغم محاولات بعض الإعلام تصوير معارك بين مشّجعين حصلت خارج قطر وكأنها وقعت في الدوحة. حتى أن بعض الإعلام الإنكليزي، والذي كان رائد الحملة ضد استضافة قطر بطولة كأس العالم، أقرّ بأنها المرّة الأولى في تاريخ كؤوس العالم التي يعود فيها المشجّعون الإنكليز والويلزيون، وهما المنتخبان اللذان كانا مشاركين في البطولة، من دون أن يُعتقل أو يجري توقيف أي منهم.
كانت السلطات القطرية مدركة حجم التحدّي الأمني، والذي لا يتناسب مع عديد قوى الأمن في البلاد، على الرغم من وجود العدد الهائل من كاميرات المراقبة والذي ساهم، إلى حد كبير، في تفادي إشكالات عديدة قبل وقوعها. فلجأت الدوحة إلى الاستعانة بقدرات أمنية من دول عربية وغربية لها خبرة في التعامل مع أحداث بهذا الحجم، وقادرة على التواصل لغوياً مع الجماهير المتنوعة القادمة إلى البلاد، وفعلاً نجح هذا التدبير في تلافي أي مواجهاتٍ كان من الممكن أن تحدُث بين الجماهير. الأمر نفسه بالنسبة إلى الازدحام المروري، والذي كان من الممكن أن تخلقه سيارات المشجّعين القادمين من الدول المحيطة، إذ لم تسمح الدوحة بدخول أي سيارات جديدة إلى المدينة، وكان على القادمين من الدول المحيطة ركن سياراتهم خارج الدوحة، والدخول إليها بالمواصلات العامة التي أمّنتها قطر مجاناً لكل الوافدين إليها، وللمقيمين فيها، من مترو أو شبكة حافلات استُحدثت خصيصاً لهذا الحدث الرياضي.
وانطلاقاً من هذه الخدمات المجّانية، يمكن الحديث عن "الدلال" الذي أمّنته الدوحة للمشجّعين، سواء أكانوا من المقيمين أم من الوافدين إليها. فإضافة إلى التنقلات المجّانية بالمواصلات العامة، والتي لم يسبق لأي دولة نظمت كأس العالم أو أي حدث رياضي آخر أن قامت به، كان هناك عدد هائل من الحفلات والمهرجانات والفعاليات، والتي كان الدخول إليها مجانياً أو شبه مجاني، ما ساهم في إضفاء مزيد من الأجواء الاحتفالية على المونديال، إضافة إلى مساهمتها الأمنية في ضبط المشجّعين في مكان محدد، وهذه كانت غاية الـ"فان زونز"، والتي يمكن أيضاً اعتبارها تجربةً تحتذى.
وإضافة إلى هذه المعطيات التنظيمية الفريدة، حملت البطولة نفسها أرقاماً تاريخية، لعل أبرزها وصول المغرب أول منتخب عربي وأفريقي إلى الدور النصف النهائي، وما رافق ذلك من حالة وجدانية عمّت العالم العربي، وكانت مثار استغراب غربي.
الآن، ومع نهاية البطولة، يمكن التصديق على كل التصريحات السابقة لكأس العالم، والتي كانت تؤكد أن البطولة ستكون استثنائية، لأنها استثنائية فعلاً في أكثر من مجال.