من هو أسامة المسلّم؟
لستُ وحدي من سأل السؤال أعلاه أصدقاءَه ومعارفه مساء السبت الماضي في أجواء المعرض الدولي للكتاب في الرباط، بل وجدتُ حيْرى كثيرين ممن أعرف، وقد استبدّت بنا دهشةٌ بالغةٌ من جهلنا كلّنا بصاحب هذا الاسم الذي كان نجم الحدث الأهم، ليس في المعرض فقط، بل في وسائل التواصل أيضا، وفي دردشاتٍ ناسٍ بلا عدد، وذلك بعد أن بادَرَت سلطات الأمن المغربية، بالتشاور مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل ومع إدارة المعرض، إلى وقف حفل توقيع أسامة المسلّم كتباً له للجمهور في جناح مركز (دار) الأدب العربي للنشر والتوزيع (مقرّها الدّمام)، بعد ازدحامٍ شديدٍ في المكان، وتدافعٍ وفوضى واسعة، مع تدفّق آلاف الشبّان (وغير الشبّان) من الجنسيْن، إلى الجناح، للحصول على توقيع الكاتب على نسخٍ مشتراة. وقد استحسن كثيرون مبادرة الأمن هذه، والتي كانت بسبب تحسّبٍ في محلّه من أن يحدُث مكروهٌ لا سمح الله. وإذ أُعلن، هنا، إنني أسمع، أول مرّة في حياتي، بهذا الكاتب الشاب (مواليد 1977)، فإني أستشعر حرجاً شديداً، فمن الواجب المهني المحض، الإعلامي، ومنه الإعلامي الثقافي، أن يكون اسم أسامة المسلّم قد وصل إلى مسامعي، ولو لم أقرأ له أو لم اصادف له نصّاً أو كتاباً. وما يخفّف من الحرج الذي استشعرتُه لمّا كنتُ مع جمع من الأصدقاء، في الرباط حيث تنكتب هذه السطور، أن عديدين غيري في حالي نفسها. لم يبلغهُم شيءٌ عن هذا الكاتب الذي صرنا نعرف أن له 17 رواية، بعضُها في أجزاء خمسة أو أقل، ما يعني أن له نحو 30 كتابا، من المدهش أنه كتبها ونشرها في السنوات التسع الماضية، وأن طبعات كتبه تتوالَى وتنفد في شهور. ولمّا قرأنا أن واحدة (فقط) من رواياته باعت نحو 150 ألف نسخة، ولمّا قيل لنا إن جمهورا غزيراً ظلّ يتزاحم إلى حفل توقيع كتبه في معرض القاهرة الدولي للكتاب قبل شهور، من العصر حتى ساعة متأخّرة في الليل، كان سؤالُنا عمّن يكون أسامة المسلّم يؤشّر إلى أننا في دنيا غير الدنيا التي نخوضُ فيها حياتَنا ومعاشَنا ونمضي فيها مشاغلنا، غير التي نزاول فيها قراءاتِنا وكتاباتِنا، نحن أهل الإعلام والكتابة ممّن نقيم خارج الفضاء الاجتماعي والثقافي الذي ينتسب إليه أسامة المسلّم وجمهورُه.
تقرّر تقديم موعد توقيع الكاتب السعودي (الشهير) ساعتيْن عمّا كان محدّداً ظهيرة السبت الذي أعلنت إدارة معرض الكتاب في الرباط أنه كان يوماً قياسيا في عدد الزوّار، وغير مسبوق، فقد بلغ 23 ألفاً فيما كان في اليوم السابق (الجمعة) ثمانية آلاف، الأمر الذي لا يمكن أن يُعزى فقط إلى أنه يوم عطلة، بل في الوُسع أن يُضافَ حدَث قدوم أسامة المسلّم (مع حرّاسٍ شخصيين له!) إلى المعرض سبباً آخر مرجّحاً. وبذلك لا نصير أمام واقعةٍ عابرة، وإنما مسألة، أو ظاهرة، اسمُها أسامة المسلّم، فالذي صِرنا نعرفه عن طبعات كتبه المتتابعة وسرعة نفادها والإقبال المهول عليها، والذي شاهد صاحب هذه السطور طرفاً منه في معرض الرباط، والذي أخبرنا به شهودٌ من معرض القاهرة، هذا كلّه يجعلنا في حيص بيص إذا ما ذهبنا إلى بعض مقارناتٍ بين ما يُحرزه المسلّم وما كان عليه نزار قباني ومحمود درويش في مدرّجات أماسيهما الشعرية، من جماهيريةٍ في زمنٍ مضى. وقد يزيد واحدُنا على هذا ويقول إنها فاعليّة السوشيال ميديا، ووسائط التواصل الاجتماعي النافذة، ذات السلطة التي بلا حدود، والتي تُعلي من شأن فلان أو علان، في غير حقل ... وها نحنُ أمام نجمٍ اسمُه أسامة المسلّم، لولا الذي وقع في الرباط لما كنّا، أنا وصحبٌ كثيرون مثلي، عرفنا شيئاً عن نجوميّته، ولا هرولنا إلى "غوغل" لنتدارك حالَنا في شأنه. وصِرنا نعرف أنه كاتب قصص فانتازيّات أشبه بالخراريف، شائقة على ما قالوا، بسيطة وسطحية، يسافر فيها إلى تاريخ قديم وأساطير وحروب وقصص حبّ وعفاريت وإنسٍ وجنٍّ وخيالٍ علمي، وخلطاتٍ من هذا كله في سلاسل متوالية من الكتب المسمّاة روايات.
أسفت كثيراتٌ من الشابات المغربيات اللواتي تقاطَرْن إلى المعرض في الرباط، ثم لم يحظين بلقاء أسامة المسلّم والتقاط صور معه ونيل توقيعِه على نسخهن من كتبٍ له. قالت بعضُهن إن كاتبهن المفضّل هذا هو من دفعهن إلى حب القراءة والمطالعة. ... وبهذا أختتم سطور هذه المقالة.