"من القلم إلى الشاشة"

06 يونيو 2015

"تعلم الإنسان ثقافة الصورة قبل ثقافة الكلام" (Getty)

+ الخط -
يبدو موضوع العلاقة بين الرواية والسينما مستهلكاً، من حيث التداول فيه والنقاش بشأنه، ليس فقط صدوراً عن حسم بديهية أن الرواية عموماً مثلت مصدراً مهماً للسينما، بل أيضاً لأن مساحات التلاقي بين الخيال الذي يتيحه النص الروائي والصورة المتحققة على الشاشة في الفيلم السينمائي واسعة، أو متقاطعة، وإن لا يبدو ذلك شرطاً لازماً. كان الظن أن البحث في هذا الأمر لم يعد مغرياً للعودة إليه، غير أن مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، في دورته الثامنة المستمرة إلى الثاني عشر من يونيو/حزيران الجاري، أراد اختبار نقاش آخر ومتجدد في هذه الموضوعة، واستحدث، لأول مرة في دوراته، ملتقىً استضاف فيه مساهمين عديدين من كتاب الرواية والبحث والنقد، من غير بلد عربي، شاركوا بتقديم رؤى واجتهادات في جلسات شهد بعضها بعض الحيوية، وتميّزت في الأثناء "المسامرات" المسائية التي اختصّت بشهادات من بعض الروائيين. وإذا كان قد بدا أن السمت التحليلي كان غالباً، فإن إحالات غير قليلة جاءت على نماذج في السينما العالمية والعربية، نجحت في تمثل نصوص روائية، وأبدعت في تشخيصها، وأخرى أخفقت، مع التأكيد البديهي على أن للرواية شروطها، كما أن للفيلم السينمائي مقترحاته وجمالياته، ولعلها أصابت كثيرا، الباحثة الأردنية، رزان إبراهيم، في التنبيه إلى أن النص الروائي القوي ضرورة لفيلم قوي، وإن مخرجا قديراً يمكنه تقديم فيلم سينمائي متقن من نص روائي محكم، غير أن ذلك ليس في الوسع، إذا كان النص ضعيفاً. 

إضاءة لافتة (وشجاعة) على السينما الجزائرية قدمها الروائي واسيني الأعرج، وشهادات ومطالعات مفيدة استمعنا إليها من إبراهيم نصرالله ومحسن الرملي وطالب الرفاعي ومفلح العدوان ووحيد الطويلة ومحمد مفلاح وزملاء لهم، ومقاربات استفادت من المنطلقات النظرية والتحليلات العلمية للعلاقة بين الصورة والمخيلة، بين المكتوب والمرئي، وذهبت إلى تجارب عربية عديدة، جزائرية غالباً، وعالمية أيضاً، وكان لكل هذه المساهمات أثرها في استكشاف زوايا نظر أخرى، غير معهودة في شأن العلاقة القائمة بين الرواية والسينما "من القلم إلى الشاشة"، بحسب عنوان الملتقى الذي قام عليه روائيون وباحثون جزائريون، في لجنة علمية اجتهدت، وأنجزت تجمعاً طيباً، كان يمكن له أن يضاعف من نجاحه، لو استضيف فيه للمشاركة والنقاش مخرجون، تعاملوا مع نصوص روائية عربية، وكان لهذا الأمر أن يساعد في فحص المزاج العام للمشتغل بالصورة، وبالسينما باعتبارها صناعة، تتصل بحسابات الإنتاج والتسويق، وفي البال أن هذا الفن جماهيري وشعبي بطبيعته.
تعلم الإنسان ثقافة الصورة قبل ثقافة الكلام، على ما أجاد محمود الغيطاني القول. والصورة هي الترجمة السينمائية للوصف والسرد اللذيْن يقوم عليهما العمل القصصي والروائي، على ما أشار كريم بلقاسي. والمخرج عندما يختار رواية لإنجاز فيلم منها يعيد التفكير في جوهرها ليعيد عجنها، لتسعف الوسيط السينمائي وإكراهاته التقنية، كما أوضح حمّادي كيروم. والأدب يظل إلى جانب أنه رافد مهم للسينما أفقاً مفتوحاً على إعطاء السينما قوة وحيوية وعمقاً، كما يرى بشير مفتي. والسينما تغذّت من جميع الفنون، كالمسرح والشعر والموسيقى والرواية، كما نوّهت منيرة مبروكي. والسينما كالرواية حكاية، على ما أوجز وحيد الطويلة. والسيناريو ركيزة أولى تقدم الفيلم قبل الكاميرا، كما شرحت وسيلة سناني.
هذه نتفٌ من أفكارٍ حضرت في نقاشاتٍ، تباينت مستوياتها، غير أنها بسطت سؤال السينما، صناعةً ونوعاً فنياً خاصاً، في مختبر التداول العربي العام بشأن الرواية، الجنس الأدبي الذي صارت طفرة كتابته وقراءته عربياً، في السنوات العشرين الأخيرة خصوصاً، مظهراً فادح الحضور، ما يجعل السؤال بالغ الوجاهة عمّا إذا كان في وسع السينما العربية أن تفيد من هذا الأمر وتستثمره. ولكن، سمعنا في مداولات غير قليلة في مهرجان وهران، إنه كانت هناك صناعة سينما في غير بلد عربي، وماتت!
دلالات
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.