07 نوفمبر 2024
ملكة تدمر في ألمانيا
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
دخلت إلى المحل السوري الذي افتتحه صاحبي في فرانكفورت، وكان محامياً في سورية، فوجدت جمعاً من أهل الشام ذات المجد في الكتب، قبلَه التّاريـخُ في ظُلمـةٍ، بعدَه استولى على الشُّهُبِ.
كانوا يبحثون عن آثار ديارهم في الحبّة السوداء، وحبة البركة، وافتح يا سمسم.. وسمسم مغلق، وقد غيّر صاحب الكنز اسم التعويذة، وبدّل كلمة السرِّ. وكانت المليحة في الخمار الأسود، تستند على الحائط، فوقع في قلبي أنها تصلح غلافاً لمجلة "البوردا"، وهي اسم مجلة لأزياء الحسناوات، مقتبس من البردة العربية، لكن النهج مختلف. وقدّرتُ لهجتها من تدمر تقديراً، فسميتها زنوبيا، وقدّرت سّنها بين مشمش الأربعين ولايزال فيه عسل وتين الخمسين ولا يزال فيه رواء.
وكانت ترتدي عباءة سوداء، يلمع في وسط خمارها الأسود. وجهها كبارق سيف عنترة. ويبدو أنّ أحداً ما أثنى على خمارها الأسود، فحاول تذكّر البيت الشعري الذي نسبته ملكة تدمر النازحة إلى بلاد القياصرة إلى صباح فخري، فتذكرتِ البيت قائلة: قلّ للحلوة في العباءة السوداء ، فتدخلت بقواتي غير العسكرية، مقتحماً الحدود، وقد وجب خرق شرط النأي بالنفس، حرصاً على الأمن غير الإقليمي، وقلت: إنّ البيت الشعري قد كسرت بعض نوافذه: وهو للدارمي، أحد الشعراء الظرفاء في الحجاز، من العصر الأموي، وكان يتغزّل بالجميلات، إلا أنه عندما تقدّم به العمر، ترك نظم الشعر والغناء وتنسّك، وأصبح متنقلاً بين مكة والمدينة للعبادة. وفي إحدى زياراته المدينة، التقى أحد أصدقائه، من أهل الكوفة في العراق، ويعمل تاجراً، وكان قدومه إلى المدينة للتجارة، ويحمل خُمُراً عراقية، فباع التاجر العراقي جميع الألوان من تلك الخُمر، ما عدا السوداء، فشكا لصديقه الدارمي كسادها عند نساء أهل المدينة، فقال له الدارمي: لا تهتمنَّ بذلك فإني سأنجدك، ثم نظم الدارمي بيتين من الشعر، وتغنّى بهما، كما طلب من مغنّين بالمدينة، وهما سريح وسنان، أن يتغنيا بالبيتين الذي قال فيهما: قلْ للمليحة في الخمار الأسود/ ماذا فعـلت بـناســك متعبد. .. قد كان شـمّر للصلاة ثــيابــه/ حتى وقفـت له بباب المسجد. فشاع الخبر في المدينة أنّ الشاعر الدارمي رجع عن تنسّكه وزهده، وعشق صاحبة الخمار الأسود، فلم تبق مليحةٌ إلا اشترت من التاجر خماراً أسود لها، فلما تيقّن الدارمي أن جميع الخمُر السوداء قد نفذت، رجع إلى زهده وأناب، وتنسّك ولزم المسجد. وزاد بعض معماري الكلام، في البيتين بيتين آخرين، فصار بأربعة طوابق: ردّي عـلـيــه صــلاتــهُ وصـيـامــهُ/ لا تـقـتـلـيــه بـــحـــق ديــــــن مــحــمـــد.. فسـلبتِ منه دينــه ويقـيـنــــه/ وتركتـه في حــيرة لا يهتــدي.
ومنذ ذلك التاريخ حتى وقتنا الحاضر، والنساء يرتدين أغطية الرأس السوداء، ولم يقتصر هذا على نساء المدينة وحدهن، بل قلّدهن جميع النسوة في العالمين العربي والإسلامي، إلا أني أظنُّ أن الخمُر السوداء كانت قبل ذلك، لكن شعر الخمِار هو أول إعلان تجاري في العالم أجمع، ما جعله أسوةً و"موضة". وقلت لملكة تدمر: كسرتِ الوزن، يا مولاتي، وفي سرِّي: كسرت غير الوزن، وحطمت التفاعيل، يا ملكة تدمر، فلا تكسريها بحق محمد، وانه لا بأس عليك في كسر الأوزان، والقلوب من قبل، حسبك أنّ عندك "أيزو" من الخالق البارئ له الأسماء الحسنى. وكانت تنطق الكلمات فتتسّاقط الدرر من بين شفتين، أجمل من شفتي أنجلينا جولي، مكسورةً، وصوت بغام، مثل صوت مراسلة الحرب سمارة القوتلي تحت القصف، حبّةً حبّةً، وبيتاً بيتاً.
ختم البائع، وكان محامياً، يدافع عن المجرمين، ويطلب لهم الرأفة قائلًا: أني أخسر في التجارة. فقلت له في سرِّي، أن يطلب لي الرأفة، فأني أيضاً أخسر.
وخرجت بعد أن نسيتُ الحبّة السوداء التي تشفي من جميع الأمراض، وحبّة البركة.. ونسيت الكلمة التي تفتح باب الكنز، فخرجت الملكة في أثري، وشكرتني على ترميم البيت المكسور. تفقدت هاتفي، حتى أطلب من الملكة صورةً تذكاريةً، أتباهى بها أمام صحبي من الرعية، لكنّ الهاتف فقدَ صوته، ودينه، ويقينه، فقلت: الملكةُ ملكةٌ حقاً، وحتى وإن تركت عرشها، وقد أكرمتني بتلك الجائزة، فخلعت عليَّ لقب الأستاذ، وهو ليس كخلع فرنسا وسام الفارس على علاء الأسواني، ولا ملكة بريطانيا لقب السير على سلمان رشدي، وخرجت لا أهتدي، حتى وقفت مسكيناً..
أسيراً..
أستجدي رحمة الله بباب المسجد.
كانوا يبحثون عن آثار ديارهم في الحبّة السوداء، وحبة البركة، وافتح يا سمسم.. وسمسم مغلق، وقد غيّر صاحب الكنز اسم التعويذة، وبدّل كلمة السرِّ. وكانت المليحة في الخمار الأسود، تستند على الحائط، فوقع في قلبي أنها تصلح غلافاً لمجلة "البوردا"، وهي اسم مجلة لأزياء الحسناوات، مقتبس من البردة العربية، لكن النهج مختلف. وقدّرتُ لهجتها من تدمر تقديراً، فسميتها زنوبيا، وقدّرت سّنها بين مشمش الأربعين ولايزال فيه عسل وتين الخمسين ولا يزال فيه رواء.
وكانت ترتدي عباءة سوداء، يلمع في وسط خمارها الأسود. وجهها كبارق سيف عنترة. ويبدو أنّ أحداً ما أثنى على خمارها الأسود، فحاول تذكّر البيت الشعري الذي نسبته ملكة تدمر النازحة إلى بلاد القياصرة إلى صباح فخري، فتذكرتِ البيت قائلة: قلّ للحلوة في العباءة السوداء ، فتدخلت بقواتي غير العسكرية، مقتحماً الحدود، وقد وجب خرق شرط النأي بالنفس، حرصاً على الأمن غير الإقليمي، وقلت: إنّ البيت الشعري قد كسرت بعض نوافذه: وهو للدارمي، أحد الشعراء الظرفاء في الحجاز، من العصر الأموي، وكان يتغزّل بالجميلات، إلا أنه عندما تقدّم به العمر، ترك نظم الشعر والغناء وتنسّك، وأصبح متنقلاً بين مكة والمدينة للعبادة. وفي إحدى زياراته المدينة، التقى أحد أصدقائه، من أهل الكوفة في العراق، ويعمل تاجراً، وكان قدومه إلى المدينة للتجارة، ويحمل خُمُراً عراقية، فباع التاجر العراقي جميع الألوان من تلك الخُمر، ما عدا السوداء، فشكا لصديقه الدارمي كسادها عند نساء أهل المدينة، فقال له الدارمي: لا تهتمنَّ بذلك فإني سأنجدك، ثم نظم الدارمي بيتين من الشعر، وتغنّى بهما، كما طلب من مغنّين بالمدينة، وهما سريح وسنان، أن يتغنيا بالبيتين الذي قال فيهما: قلْ للمليحة في الخمار الأسود/ ماذا فعـلت بـناســك متعبد. .. قد كان شـمّر للصلاة ثــيابــه/ حتى وقفـت له بباب المسجد. فشاع الخبر في المدينة أنّ الشاعر الدارمي رجع عن تنسّكه وزهده، وعشق صاحبة الخمار الأسود، فلم تبق مليحةٌ إلا اشترت من التاجر خماراً أسود لها، فلما تيقّن الدارمي أن جميع الخمُر السوداء قد نفذت، رجع إلى زهده وأناب، وتنسّك ولزم المسجد. وزاد بعض معماري الكلام، في البيتين بيتين آخرين، فصار بأربعة طوابق: ردّي عـلـيــه صــلاتــهُ وصـيـامــهُ/ لا تـقـتـلـيــه بـــحـــق ديــــــن مــحــمـــد.. فسـلبتِ منه دينــه ويقـيـنــــه/ وتركتـه في حــيرة لا يهتــدي.
ومنذ ذلك التاريخ حتى وقتنا الحاضر، والنساء يرتدين أغطية الرأس السوداء، ولم يقتصر هذا على نساء المدينة وحدهن، بل قلّدهن جميع النسوة في العالمين العربي والإسلامي، إلا أني أظنُّ أن الخمُر السوداء كانت قبل ذلك، لكن شعر الخمِار هو أول إعلان تجاري في العالم أجمع، ما جعله أسوةً و"موضة". وقلت لملكة تدمر: كسرتِ الوزن، يا مولاتي، وفي سرِّي: كسرت غير الوزن، وحطمت التفاعيل، يا ملكة تدمر، فلا تكسريها بحق محمد، وانه لا بأس عليك في كسر الأوزان، والقلوب من قبل، حسبك أنّ عندك "أيزو" من الخالق البارئ له الأسماء الحسنى. وكانت تنطق الكلمات فتتسّاقط الدرر من بين شفتين، أجمل من شفتي أنجلينا جولي، مكسورةً، وصوت بغام، مثل صوت مراسلة الحرب سمارة القوتلي تحت القصف، حبّةً حبّةً، وبيتاً بيتاً.
ختم البائع، وكان محامياً، يدافع عن المجرمين، ويطلب لهم الرأفة قائلًا: أني أخسر في التجارة. فقلت له في سرِّي، أن يطلب لي الرأفة، فأني أيضاً أخسر.
وخرجت بعد أن نسيتُ الحبّة السوداء التي تشفي من جميع الأمراض، وحبّة البركة.. ونسيت الكلمة التي تفتح باب الكنز، فخرجت الملكة في أثري، وشكرتني على ترميم البيت المكسور. تفقدت هاتفي، حتى أطلب من الملكة صورةً تذكاريةً، أتباهى بها أمام صحبي من الرعية، لكنّ الهاتف فقدَ صوته، ودينه، ويقينه، فقلت: الملكةُ ملكةٌ حقاً، وحتى وإن تركت عرشها، وقد أكرمتني بتلك الجائزة، فخلعت عليَّ لقب الأستاذ، وهو ليس كخلع فرنسا وسام الفارس على علاء الأسواني، ولا ملكة بريطانيا لقب السير على سلمان رشدي، وخرجت لا أهتدي، حتى وقفت مسكيناً..
أسيراً..
أستجدي رحمة الله بباب المسجد.
دلالات
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر
مقالات أخرى
24 أكتوبر 2024
10 أكتوبر 2024
26 سبتمبر 2024