اجمع شملك واعهد عهدك وأوثق دكة سروالك
الفضائية التي أطلق عليها مُنشئوها اسم العربية خالية من العروبة كخلو رقائق البطاطا المقلية بزيت السيارات الأصلي من الفائدة. لم يكن صاحب القناة يبتغيها فضائية مضحكة كوميدية، مثل موجة كوميدي، أو مثل فضائية "مش ح تقدر تمسك نفسك من الضحك"، أو حتى فضائية "المزايين"، و"المزايين"، يا طويل العمر، فضائية أنشأها ثري عربي يعشق النوق المزيّنة بالجواهر والدرر، وأصوات رغائها، وسلاسل أسنمتها غير المكسوّة بالثلج، وكان يريد أن يكحل عينيه برؤيتها في الحل والرحل، لكنها أمست مسخرة. ولم تكن "العربية" (وهي فضائية ليبرالية أو نيوليبرالية) تفكر في العرافة والعيافة والتنجيم، كما فعل رفعت الأسد، فكان درّة برامجه عند إنشاء قناته برنامج تنجيم يقدّمه عّراف به شبه من الكاهن شق أو الكاهن سطيح، فقد غلب في خصائص الكاهن الاضطراب والنقصان في الجسم والبنيان.
الحال أنَّ معممّاً شيعيّاً تام الخلقة، لا يخلو لسانه من بيان، وجملته من سجعة، أصبح عرّاف الفضائية وكاهنها وغراب بينها، من غير علم قراءة خرائط الأجل في راحة اليد، أو معاجم الغيب في ثفل الفناجين، اشتهر بنبوءة قتل حسن نصر الله، التي قال له فيها منذراً جملته الشهيرة: "اجمع شملك واعهد عهدك واكتُب وصيتك فمن اشتراك باعك"، فأمست طرفة عند شطّار التيك توك "مستطرف العصر في كل فنٍّ مستظرف"، والتيك التوك خوارزميات، والخوارزمية مثل أشواك شجرة السدر، يعلق بها صوف الشاة فلا تفلتها، فتموت عطشاً، أو بين أنياب الذئاب إن لم يُنجدها الراعي.
ظهرت عشرات الطرائف على صفحات "التيك توك" التي تتّخذ من متن عبارته مطيّة للضحك والسخرية، قد سألت صديقاً عن المنهل الذي نهل منه هذا العرّاف العجيب عبارته المسجوعة، والكهنة يسجعون العبارة، حتى قيل سجع الكهان، فقال لي: اقتبس جذوتها من أفلام الكاوبوي، فقد كانت عناوين أفلام الكابوي في الستينيات من القرن المنصرم صارمة، مثل: احفر قبرك، واحمل صليبك، واكتب وصيّتك، واذخر مسدسك، و"من أجل حفنة من دولارات". وقال لي ثانٍ: بل من جملة مسلسل الكرتون غريندايزر: "كافح شرّاً أبطل مكراً بحزم وإباء" .
أعود إلى العبارة التيكتوكية الظافرة، التي قال فيها التيكتوكر الطبّاخ: افرم بصلك واقطع لحمتك قطعاً صغيرة، وانقعها بالخلّ ساعة.
وقالت التيكتوكرية لزوجها: اخلع حذاءك واجمع جراباتك، واجلس إلى المائدة. وتقول زوجة لزوجها المتأهّب للسفر محذّرة إياه من الخيانة: اجمع بصرك، واحفظ أمانتك، وإياك من اللعب بذيلك، فالخطر كبير. ويقول لي "النافي"، اسطرلاب البرّ والهدى والتقى والعفاف والغنى بالصوت العربي، وقد اختلط صوتُه بصوت التيك توك: خفّف سرعتك، وانعطف يميناً بعد مائة متر، فالمنعطف التاريخي خطير.
هذه ليست عرافة وعيافة وكهانة، إنما هذه عمالة، فالرجل يلعب بذيله مع السلطة في عهد الأنظمة الساقطة في الربيع العربي، والعربية تفزّع به خصوم ربتها إسرائيل.
وسألني صديق، وقد ظنَّ بي خيراً، وبرأيي حكمة، أنَّ لنبوءات سيمبسون وقع أكبر، فهل يطلعون على الغيب أم اتخذوا عند الرحمن عهدا؟ فقلت له: عند آل سيمبسون من الملك والقوة ما يستطيعون به تحقيق الأحلام والرؤى وخطط القتل، لكن هذه ليست نبوءات، "كذب المنجّمون ولو صدقوا".
أعود إلى "العربية" التي ليس لها من اسمها نصيب، وكان أصدقاء لي في حي من أحياء "واتساب" قد أثنوا على بلاغة خالد مشعل في لقاء مع مذيعةٍ من "العربية"، أعادت عليه سؤالاً واحداً أربع مرات حتى تكيد له، فنجا من كيدها، وصبر عليها "صبراً استراتيجيّاً"، واللقاء لم يعجبني، فمشعل في غنى عن اللقاء مع تلك الخبيثة، وكان يخاطبها بأختي الكريمة، ولو كنت محلّه لسخرتُ من رغاء المذيعة "المزيونة" ويعارها، وكانت فصاحتها تشبه فصاحة المترجم الآلي، كلها ألحان.
أول مرة أرى عرّافاً "كامل الأوصاف فتنّي"، فالبصيرة تقوى بغياب البصر. نقل العرّاف المعمّم منازل نبوءاته إلى غزّة، فهدّد أبا عبيدة، فعافت القناة نبوءاته التي أكسدها أبو عبيدة: وقالت له: اجمع حقائبك، وأحزم ذيلك، وأرنا عرض أكتافك.