مكارم الآداب في النحو والإعراب
روى أحدهم "قصة الحضارة" نحوًا، فقال: ظلَّ الفعل المضارع يقضي عمره حرًّا طليقًا ما بين رفع ونصب وجزم، مضرَّسًا بأنيابٍ وموطأً بمنسم، حتى إذا اتصلت بـه نون النسوة بُني على السكون. فكّرت في أنْ أصوغ مقالًا في هذا الشأن، مع أنّي لستُ من أهله وفرسانه، وكنت أعاني تلميذًا من تسميات مثل "المبني والمعرّب"، و"منع من ظهوره التعذّر أو الثقل"، و"نون الوقاية"، وأحسبها كائنات مثل يأجوج ومأجوج، وتأخّرتُ حتى وعيتُ الفرق بين المبني والمُعرب، وبين الموالاة والمعارضة، وبين الخليّ والشجيّ. ولم أشكر يومًا مدرِّسًا، كان بينهم ضعفاء وأشدّاء، والشدّة والضعف سواء، وقلَّ فيهم النجباء، ولو بسطتُ يد الهوى لقلت للتلميذ: إنّ المبني في اللغة كالمبني من الحجر، يبقى على حاله، مثل قصر مدير الناحية (أكبر قصر في بلدتنا)، أمّا المُعرَب فمثل العجين، قد يكون خبزًا أو كعكًا أو معمولًا أو صمّونًا، يربَّع ويدوَّر ويطوَّل، مثل السياسة الحكومية، الرئيس مبني، الشعب مُعرَب.
خذ المثال الشائع في وسائل التواصل بالعنوان: "معجبين" الشيخ صافي، ولو أنّك قدّرته تقديرًا نحويًّا لقلت: "صفحة معجبي الشيخ صافي"، والصواب: معجبو الشيخ صافي، وهو شيخ ظريف طريف، لكن أكثر العرب يخلطون في شأن النون، والنون هو أبو الحروف كلّها، ولم أجد فلسطينيًّا من الذين يظهرون على الشاشات يؤدِّي حقَّ النون، فهم جميعًا يخطئون في الأفعال الخمسة، وقرأتُ بحثين ممتعين، أحدهما لفاضل الربيعي في كتابه "أبطال بلا تاريخ"، والثاني للشيخ بسام جرار في كتابه "سياحة الفكر" يريان أنَّ حرف النون هو أبو الحروف جميعًا.
إعراب "معجبي" في المثال السابق هو مُضاف إليه، وقد حذفت النون، لأنَّ الضيف يخسر نونه وحرّيته في أسر الضيافة. وأضرب مثلًا من الآداب والأرحام في التمييز بين همزتي القطع والوصل. نعلم أنَّ النحويين وضعوا ميزانًا كريمًا هو حرف العطف، فقالوا: يمكن التمييز بين همزة الوصل وهمزة القطع باختبار العاطفة وإدخال الواو أو الفاء عليها، فإذا نُطقت همزةً فهي همزة قطع، مثال: أنا، وأنا، فأنا، وإذا اختفت الهمزة في النطق فهي همزة وصل، مثال: استغْفَر، واستغْفَر، فاستغْفَر، وأصل التسمية من القطع والصلة، فالواو حرف عاطف حاضن. قال الرئيس الذي لم يُبقِ في الوطن شيئًا: الوطن حضن، ذهب الواو وذهب النون، ولم يبقَ سوى الطاء. الواو حرف يصل الأرحام، فتأبى همزة القطع أن تلين، فتقطع الرحم.
انظر كيف قطعوا أرحامنا، لا توجد أسرةٌ سورية تتصل بأرحامها، والأسرة من الأسر، وهو أسرُ الرحمة المحمود، وأعرف أسرًا مبعثرة في خمس قارّات.
خذ مثال أحرف النصب وأحرف الجزم، وهي أحرفٌ ذات حكمة بالطبّ أو بالبطش، ومن البطش ما أشفى واشتفى، يدخل الحرف الناصب على الفعل المضارع، فإن كان من الأفعال الخمسة أزال عنه حرف النون بعملية جراحيةٍ لا تُرى، فيبرأ، أمّا أحرف الجزم فأشدُّ بطشًا من أحرف النصب، وعلامة جزم الفعل المضارع حذف حرف العلّة من الفعل المعتل السقيم، واستئصال حرف النون من الأفعال الخمسة من غير دم.
وجدتُ محرِّرًا قضى في "ثقافيةٍ" سوريّة نحو عشرين سنة، حاصل على شهادة الآداب، كتب: "وأنتي يا حبيبتي جمعتي الفضائل"، فكتب صديقنا محمد الشاويش منشورًا يقول فيه: العربية تميّز بين الحركات وأحرف المدّ، فلا تخلط الكسرة بالياء، ولا الضمّة بالواو، ولا الفتحة بالألف، وعند مخاطبة المؤنّث لا نقول: "أنتي" بل أنتِ، ولا نقول: "كتابكي" بل كتابكِ. في سورة مريم: "وهزّي إليكِ بجذع النخلة تساقط عليكِ رطبًا جنيًّا فكلي واشربي وقرّي عينًا"، "يا مريم لقد جئتِ شيئًا فريًّا، يا أخت هارون ما كان أبوكِ امرأ سوء وما كانت أمّكِ بغيًّا". الخطأ في جعل الكسرة ياءً سببه من جهة القياس الخاطئ على فعل الأمر "اذهبي"، وياء المخاطبة في الفعل المضارع "تذهبين، لم تذهبي". ومن جهة أخرى، التأثّر باللفظ العامّي في الأفعال الماضية، فيُقال: "رحتي" لما صحيحُه رحتِ، و"عليكي" لما صحيحُه عليكِ.
لا تظهر الياء في خطاب الأنثى سوى مع فعلي الأمر والمضارع، كقولك: العبي، أو اخلعي، تلعبين، أو تخلعين، فالأنثى إذا لعبت أو خلعت ظهرت ياؤها التي تشبه العجيزة، والعجيزة أحد الوجهين.