مع انصراف ترامب .. إعادة اعتبار للشأن الفلسطيني

30 يناير 2021
+ الخط -

تنشط اتصالات، منذ بضعة أسابيع بين الأردن ومصر، محورها إحياء المسار التفاوضي الفلسطيني مع إسرائيل، وذلك في غمرة المخاوف من أن تصبح الحقوق الفلسطينية ضحيةً لموجة التطبيع العربي الساخن مع تل أبيب، حيث يتم التركيز في هذه الموجة على أوجه التعاون الثنائي، بما فيه الأمني، مع الدولة العبرية، بمعزلٍ عن الوضع السياسي في الإقليم. ولكون كل من الأردن ومصر قد بادرتا إلى إبرام معاهدات سلم مع تل أبيب لقاء استعادة أراضٍ محتلة، فإن البلدين يستشعران مسؤوليةً خاصة تجاه القضية الفلسطينية، فلطالما عملت الحكومات الإسرائيلية على دفع كل من عمّان والقاهرة إلى الفصل بين العلاقات الثنائية معهما وبين المسار الفلسطيني، على أنهما لطالما أعلنتا التزامهما بأن يكون السلم مع تل أبيب حلقة في سلسلةٍ تؤدي إلى حل الصراع الفلسطيني، باعتباره لب الصراع وجوهره. علاوة على ما يربط الأردن من وشائج تاريخية وجغرافية وديمغرافية بفلسطين وشعبها، كذلك الحال بمصر التي سبق أن أدارت قطاع غزة حتى العام 1967، ويعنيها الوضع في القطاع راهنا ومستقبلاً، كما يعنيها إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل.

تعمل القاهرة على إنجاح الانتخابات الفلسطينية النيابية والرئاسية المقرّرة خلال العام الجاري

يوم الأربعاء الماضي، 28 يناير/ كانون الثاني الجاري، أعلنت جامعة الدول العربية في القاهرة عن اجتماع وزاري طارئ سوق يلتئم حضوريا في مقر الجامعة، بناء على دعوة كل من مصر والأردن، على ما نقلت الوكالة المصرية للأنباء عن الأمين العام المساعد للجامعة، حسام زكي، قوله، وقد أوضح أن "الاجتماع يهدف إلى بلورة موقف عربي جامع تجاه التطوّرات التي تشهدها المنطقة يعزّز التضامن والعمل العربي المشترك، ويعيد التأكيد على الثوابت المتعلقة بالقضية الفلسطينية". فيما أعلن بيان الجامعة أن الدعوة إلى الاجتماع الطارئ "تأتي على خلفية التطورات الحاصلة في المنطقة، وبعد إعلان الإدارة الأميركية الجديدة الخطوط العريضة لسياساتها الخارجية في منطقة الشرق الأوسط". كما تأتي هذه الدعوة بعد أيام من زيارة أداها الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى عمّان، وأجرى خلالها مباحثاتٍ رسمية مع مضيفه الملك عبدالله الثاني، وقد لوحظ أن السيسي مدّد زيارته، حيث غادر في اليوم التالي لها. وإذ تنشط الاتصالات الأردنية مع السلطة الفلسطينية بصورة متواترة، فإن القاهرة تعمل على إنجاح الانتخابات الفلسطينية النيابية والرئاسية المقرّرة خلال العام الجاري، بهدف تنظيم العلاقة بين الفصائل من جهة، ومن أجل أن تدير القاهرة علاقاتها في غزة مع طرفٍ منتخبٍ من جهة ثانية. وقد سرت، في الأثناء، أنباء عن لقاء تم بعيدا عن الأضواء بين وزيري الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، والإسرائيلي غابي اشكنازي. وقد نشطت هذه الاتصالات فيما الانتخابات الأميركية في أوجها خلال الأسابيع العشرة الماضية، وقد تردّد أن عمّان أجرت، في تلك الغضون، اتصالات تمهيدية واستكشافية مكثفة مع فريق الرئيس جو بايدن الذي كانت المؤشّرات ترجّح فوزه على دونالد ترامب.

في أنظار عمّان والقاهرة، من شأن إحياء المسار التفاوضي الفلسطيني، المجمّد منذ ست سنوات، أن يعيد تنظيم المناخ السياسي وترتيب الأولويات

وليس سرّاً أن عمّان قد عانت من تعامل إدارة ترامب معها، وهو تعاملٌ انطوى على تبخيس تلك الإدارة الوزن السياسي والاستراتيجي للأردن، سواء قبل الإعلان عن صفقة ترامب وخلالها وبعدها، وبالذات مع موجة التطبيع العربي، فيما احتفظ الأردن بعلاقات طيبة مع جو بايدن منذ كان نائبا للرئيس باراك أوباما. أما القاهرة فعلى العكس، تتطير من وصول الرئيس بايدن وفريقه إلى البيت الأبيض على خلفية التركيز الأميركي على ملف حقوق الإنسان. وتخشى أن تتأثر العلاقات المصرية الأميركية سلبا، وهو ما يجعلها توطّد علاقاتها مع عمّان في هذه المرحلة، للتجسير، إن لزم الأمر، مع واشنطن، علما أن العلاقات بين القاهرة وعمّان ظلت وثيقة، وقد شهد العام الماضي 2020 ولادة منظومة ثلاثية لتعاون أردني مصري عراقي.
وواقع الحال، في أنظار عمّان والقاهرة، من شأن إحياء المسار التفاوضي الفلسطيني، المجمّد منذ ست سنوات، أن يعيد تنظيم المناخ السياسي وترتيب الأولويات، وحتى إعادة اللحمة بين الدول العربية بعد موجة التطبيع المنفرد. وقد لوحظ، في سياق الاتصالات الأردنية المصرية، تنسيقا بين الجانبين، في زيارة فريدة من نوعها أدّاها معا إلى رام الله يوم 18 يناير/ كانون الثاني الجاري مديرا مخابرات البلدين، الأردني اللواء أحمد حسني والمصري اللواء عباس كامل، وقد استقبلهما هناك الرئيس محمود عباس، بحضور مسؤول المخابرات اللواء ماجد فرج. وهي من المرّات النادرة التي يُعلن فيها عن قيام مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى بمهماتٍ ذات طابع سياسي، ولعل الإعلان عن ذلك ينطوي على ردٍّ على التحرّكات السياسية التي قام بها مسؤول "الموساد"، يوسي كوهين، نحو عواصم عربية، ما أدّى إلى دفع عملية التطبيع.

تلعب باريس وبرلين دورا متقدّما ضمن الاتحاد الأوروبي لكسر الجمود الذي اعترى المسار الفلسطيني

يشار، في هذا الصدد، إلى أن اجتماعا رباعيا ضمّ ما سميت مجموعة ميونخ لوزراء مصر والأردن وفرنسا وألمانيا، عقد في القاهرة يوم 11 يناير/ كانون الثاني الجاري، وخصّص للشأن الفلسطيني، وأهمية التوصل إلى تسوية عادلة قائمة على حل الدولتين، وجرى فيها مخاطبة الولايات المتحدة، والتذكير بدورها المطلوب في إحلال السلام في المنطقة. وبهذا، تلعب باريس وبرلين دورا متقدّما ضمن الاتحاد الأوروبي لكسر الجمود الذي اعترى المسار الفلسطيني، وإعلان أن التطبيع العربي مع إسرائيل يجب أن لا يطمس محورية المسار الفلسطيني الإسرائيلي، أو يقفز عن هذا المسار، وهو الهدف الذي لا تكتمه دولة الاحتلال بالاستعاضة بالسلام العربي عن السلام مع شعب فلسطين. ومع الأخذ في الاعتبار حرص إدارة بايدن على تحسين العلاقات الأميركية مع الاتحاد الأوروبي، باعتبارها أولوية للإدارة الجديدة، فإن مواقف الاتحاد بهذا ترتدي أهمية خاصة.
والآن، ومع الاستعداد لعقد المؤتمر الوزاري العربي الطارئ، يُخشى أن تعمد دولٌ إلى أن تتمثل على مستوى المندوبين لدى الجامعة، لا على مستوى وزراء الخارجية، كما يُخشى أن يُسفر الاجتماع عن بيان "ممتاز" يتضمن الالتزام بقرارات الشرعية الدولية ورفض المساس بالأقصى والقدس ويندد بالاستيطان، وكما كان حال مؤتمراتٍ مثيلةٍ سابقة، بما فيها مؤتمرات القمة العربية، فيما كانت السياسات الفعلية تذهب في اتجاه آخر يكاد يكون معاكسا. وعليه، لا بد للاجتماع الوزاري أن يجعل الممارسات والسلوك السياسي معيارا على مدى الالتزام بالمشتركات العربية أو التنصل منها.