مشاهدات

18 مايو 2021

(عزيز أزغاي)

+ الخط -

ليس دفاعا عن إلياس خوري
بسبب مقالة نشرها في صحيفة القدس العربي، بعنوان "هابرماس وشرف الثقافة"، إثر رفض الفيلسوف الألماني جائزة الشيخ زايد للكتاب، تعرّض الروائي اللبناني المعروف، إلياس خوري، إلى الانتقاد، واتُهم بالنفاق والمزايدة على زملائه من الأدباء والمثقفين، إذ كتب متسائلا: "لا شيء يبرّر هذا الانحطاط الأخلاقي. كنا ننتظر من الكتّاب مقاطعة هذه الجوائز المغمَّسة بالاستبداد، وإدانة هذه الحفلة التطبيعية التنكّرية المشينة. لكن للأسف، فإن المتدافعين على نيل جوائز السلطان لم يردعهم أيُّ اعتبار أخلاقي". هذا وقد ذكّره كثرٌ في مقالاتهم وردودهم أنه كان قد استحصل على 220 ألف دولار، هي حصيلة أربع جوائز، اثنتان منها إماراتيتان، سلطان بن علي العويس واليونسكو - الشارقة للثقافة العربية، وثالثة تمولها الإمارات، جائزة القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)، وعلى جائزة كتارا للرواية العربية.
كتب إلياس خوري مقالته تلك، مبرّئا نفسه من التهم الموجّهة إلى زملائه، مستندا إلى نضاله الطويل إلى جانب القضية الفلسطينية، ومعتبرا أن كلامه بات جائزا فقط، وإلزاميا، بعد تطبيع الإمارات مع إسرائيل. لكنه في المقابل نسي، أو تناسى، أن هابرماس رفض الجائزة، بعد قبولها، لأسبابٍ مختلفة كلّيا، ذكرها في بيان الاعتذار وتتعلّق بمخاوف لديه بشأن ملف حقوق الإنسان في دولة الإمارات، وهي أسبابٌ لم تمنع الروائيّ على ما يبدو، من قبول الجوائز المذكورة أعلاه، وقد تقدّم إليها بملء إرادته لأسبابٍ قد يكون أوّلها، ربما، الحاجة إلى ما توفّره من مبالغ مالية. ومع ذلك، وعلى الرغم مما يمكن أن يضاف في انتقاد موقفه المنحاز إلى قضية دون أخرى، ثمّة وجه حقّ في ما قاله إلياس خوري في مقالته تلك. فكيف لا نشعر بلحظة تردّد، أو حيرة، أو إرباك، أو وجل، ونستمرّ في ممارساتنا الثقافية وكأنّ شيئا لم يكن، فجميعنا يعرف أن الثقافة لا تقوم فوق جزيرة نائية، وجميعنا ربما مغلوبٌ على أمره، لكن لا بدّ أحيانا من صوتٍ يعلو، ويعترض، ويساجل، وينتقد، ولو على حساب مصداقيته.
فرنسا تطلق النار على قدمها
يبدو أن فرنسا ما عادت تطيق صبرا للتعبير عن كرهها العرب والمسلمين من مواطنيها، إذ نراها لا تفوّت فرصةً لإفهامهم أنهم مصدر خوف وقلق وإزعاج. هي إذن حربٌ صغيرةٌ مستعرة تحت الرماد، تنذر بالانفجار في أية لحظة، برغم كل ما تبديه الحكومة الفرنسية من تكتّم وتحكّم وتلطٍّ خلف جرائم مشينة يرتكبها أفراد باسم الإسلام، فقد صدر، أخيرا، قرار بحظر المظاهرة المؤيدة للشعب الفلسطيني، والتي كانت مقرّرة ظهر السبت 15 مايو/ أيار في باريس، "خشية تكرار سيناريو الاضطرابات وأعمال الشغب التي وقعت في عام 2014 في العاصمة الفرنسية". وقد يكون من الممكن تفهّم ذلك، لو كان لفرنسا ماكرون غير الموقف المنحاز مما يجري الآن في فلسطين. وقد أفادنا قصرُ الإليزيه، في بيانه الصادر يوم الجمعة الماضي، بأن ماكرون اتصل بنتنياهو مقدّما "تعازيه في ضحايا الهجوم المسلح الذي تبنّته حماس وجماعات إرهابية أخرى"، ومجدّدا "التزام فرنسا الراسخ بأمن إسرائيل و"حقها" في الدفاع عن النفس وفقا للقانون الدولي"! هذا فيما تتوالى، عالميا، بيانات الشجب والتنديد باعتداءات الجيش الإسرائيلي على أهالي القدس وغزة وسائر المناطق الفلسطينية. وكنّا لنتفهّم ذلك أيضا، لولا انزلاق فرنسا التدريجي إلى أحضان اليمين المتطرّف مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، هي التي تعاني من مشكلةٍ متعاظمةٍ مع مسلميها الذين يبلغون نحو خمسة ملايين نسمة. ويكفي هنا استحضار السجالات الدائرة بشأن "الانفصالية الإسلامية" (ماكرون)، و"الإسلام اليساري" (وزيرة التعليم العالي) الذي ينخر المجتمع الفرنسي بأكمله .. فهل تكون فرنسا حقوق الإنسان والحرية والمساواة، تلك التي نجلّ ونحبّ، آيلة إلى زوال؟

نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"