محمد عبده والسيّاب ... أغنية وتشويه
يبدو أن المغني محمد عبده لم يكتف بتشويه قصيدة بدر شاكر السياب الأيقونية الشهيرة "أنشودة المطر"، عندما لحّنها وغنّاها بما لا يتوافق مع حساسيتها العالية وظروف كتابتها، بل تجاوز ذلك إلى محاولة تشويهها وتشويه شاعرها الراحل بتصريحات غريبة جدا.
في لقائه الرمضاني، أخيرا، مع برنامج "الليوان" الذي تبثه قناة روتانا، سأل مقدّم البرنامج ضيفه محمد عبده عن قصيدة "أنشودة المطر"، وكيف لحّنها مع أنها قصيدة وطويلة وصعبة. فتحدّث عبده في بداية الإجابة عن إعجابه بهذه القصيدة منذ أن درسها في المرحلة الإعدادية، وأنه كان دائما يتمنّى تلحينها. ثم تحدث عن استدعاء المباحث له بعد أن غنّاها في العام 2000 أو 2001 (مع أنه غنّاها أول مرة في التسعينيات)، وقال إن ضابط المباحث طلب منه أن يكتب ما يعرفه عن الشاعر بدر شاكر السياب في ورقة قدّمها له، وهكذا فعلا!
الغريب أن معظم ما كتبه المغني محمد عبده وأعاد ترديده بإيمان شديد في البرنامج لا يمتّ للحقيقة بصلة. قال عنه بالحرف الواحد؛ "هذا!! كان بعثي وكفر بالبعثية، وصار ماركسي وكفر بالماركسية، وصار ناصري وكفر بالناصرية. ما بقى دولة من الدول الخليجية إلا وهجاها. هجا أمراءها، هجا حكّامها، في الأخير كفر بكل ما كان مرّ عليه، وما لقى (لم يجد) أحد يعوله ويستضيفه إلا الكويت. دخلوه في مستشفى السالمي ومات فيه. وكتب هذي القصيدة. وكتب قصيدة في زوجته يشتمها يموت مدري أيه وخاطره في أيه.. علقة. وكتب ببداية الستينيات 60، 61 "أنشودة المطر"، وبيّن لك أن كل ما اعتنقه كان هباء وكان وقت ضايع وكان وكان. وبعدين في الكوبليه الأخير والجمال اللي فيه اللي هو ومقلتاك تطيفان مع المطر وعبر أمواج الخليج تمسح البروق .. شواطئ الخليج"، يا سلام .. علشان يمسح كل ما قاله عن الخليج والقصيدة من أروع القصائد".
الغريب أن مقدّم البرنامج الذي عُرف غالبا بتميّزه بالإعداد الجيد لبرنامجه لم يحاول تصحيح أي معلومة مما قاله محمد عبده، لا عن سيرة حياة الشاعر وتحوّلاته الفكرية والسياسية، ولا عن القصيدة الشهيرة التي لا أصدق أنه سأل ضيفه عنها من دون أن يطّلع عليها أو يسمعها مغنّاة. والأغرب، بل الأسوأ أن مقدّم البرنامج تضاحك في أثناء حديث ضيفه عن هجاء الشاعر زوجته باستهتار، ومن دون مراعاة لا لحرمة الراحلين، ولا لمشاعر أبنائهما، ومن دون أن يتحقّق أصلا من المعلومة وكيفية قراءة القصيدة المعنية.
ولا تكمن خطورة هذه الجزئية من مقابلة محمد عبده بكيفية الحديث عن شاعر وقصيدة يُفترض أنه معجب بهما أو بها على الأقل، وإلا لما أقدم على تلحينها وغنائها، وحسب، بل بتمرير معلوماتٍ مزيّفة، من فنان بحجم شهرة محمد عبده ونجوميّته، لا يمكن أن يُعزى تزييفها للنسيان، ومن دون محاولة للتصحيح من المضيف، لا في أثناء المقابلة ولا في نهايتها، كما يحدث في كثير من تلك المقابلات التي تبثّ على الهواء مباشرة.
نعم .. هناك معلومات وأرقام وتواريخ وأسماء يمكن أن يخطئ بها المرء لأسبابٍ غير مقصودة، كما أخطأ محمد عبده في المقابلة نفسها باسم المستشفى الكويتي الذي انتهت رحلة حياة السياب فيه، وذكر أن اسمه مستشفى سالم، (مقدّم البرنامج لم يصحّح حتى هذا الخطأ غير المقصود، بل ذكر اسما آخر غير صحيح للمستشفى، فقال "صباح السالم")! لكن هذه الأخطاء عادية، وتحدُث كثيرا ويمكن التغاضي عنها ببساطة. أما ما لا يمكن التغاضي عنه فهو المواقف والأفكار والمبادئ، وكل ما يتعلق بتكوين الشخص، وما يمكن أن يسيء إليه من دون أن يستطيع الدفاع عن نفسه ... لأنه ميت.