مجد وأميرة .. الحقيقة والفيلم
قبل ثماني سنوات، وخلال عملي الصحافي، كلفتني مجلة نسائية عربية أن أتحرّى تفاصيل ولادة طفل فلسطيني من نطفةٍ مهرّبة. وقد أذيع وقتها خبر مقتضب عن ولادة مجد عبد الكريم الريماوي، وهو الطفل الفلسطيني الثاني الذي ولد بهذه الطريقة الغريبة والمثيرة. وكان صعبا علي في قطاع غزة خروجي إلى الضفة الغربية، والوصول إلى الأم ليديا الريماوي، ولكني حاولت من خلال المستشفى الذي تم فيه إجراء عملية التخصيب الوصول إلى معلومات مفصلة تشبع فضولي الصحافي وقتها، ولكن إدارة المستشفى تحفظت كثيرا، والسبب أن الأمل ما زال قائما بأن تتم عمليات تهريب أخرى وبالطريقة نفسها، وبالتالي تحقيق حلم الأسرى الذين يقضون محكومياتٍ عاليةً بأن يصبحوا آباء، وتعويض صبر الزوجات بأن يضعن أطفالا، ولا تنقضي أعمارهن من دون تحقيق هذا الحلم، لأن سن الخصوبة عند المرأة محدودٌ قياسا بخصوبة الرجل، حيث يبقى قادرا على الإنجاب حتى آخر عمره. ولذلك مرّ قطار العمر بكثيراتٍ من زوجات أسرى بلا أبناء، قبل ان يتم الوصول لهذه الطريقة في الإنجاب عن بعد، لو كان علينا أن نطلق عليها مسمّى أكثر إثارة وتشويقا. ويبدو أن من فوائد تقنية أطفال الأنابيب وما تفرّع عنها من تقنيات، من أجل تحقيق حلم الإنجاب أن إحدى هذه الفوائد قد جاءت لصالح الأسرى الفلسطينيين وزوجاتهم.
التقيت بعد ذلك، وبعد مشقة، بالزوجة التي أصبحت تكنّى بأم المجد، من خلال حساب فيسبوك الخاص بابنتها البكر، الوحيدة قبل أن يصبح لها أخ. واستشعرت مدى سعادة الابنة بشقيقها. وأخيرا فقط، استطعت أن أشبع فضولي الصحافي، وتعرّفت على طريقة تهريب النطفة بالتفصيل. وعند هذه النقطة بالذات، يجب أن نكون على ثقةٍ تامةٍ بأن طرق التهريب التي تتبع لا تدع مجالا لتبديل النطف أو الحصول على نطفةٍ من ضابط إسرائيلي، كما تخيل صناع فيلم "أميرة" الذي أثار ضجة كبيرة، أخيرا، واعتبر إساءة لنضال الأسرى وصبر عوائلهم.
في العام 2013 كان إمام مسجد قرية بيت ريما ينهي خطبةً دينيةً بالإشارة إلى أن ابنة القرية، ليديا، قد تمكّنت من تهريب نطفةٍ من زوجها الأسير عبد الكريم، وبأنها قد زرعت في رحمها، وطلب من أهل القرية الطيبين الدعاء لها في أن يثبّت حملها، وأن ينعم الله عليها وعلى زوجها بمولود ذكر، يشدّ عضد أخته، ويسند ظهر أمه في غياب الأب. وقد فرض الاحتلال غرامة مالية ضخمة على الأسير عبد الكريم، بعد حصول الزوجة على حكمٍ من المحكمة يثبت بنوة الطفل مجد، عن طريق فحص الحمض النووي لخلية الأب والابن.
أخطأ صنّاع فيلم "أميرة" المثير للجدل بسبب قصته غير المنطقية، وكان من الممكن ألا يتم إخراجه، لو عاد صنّاعه إلى بعض ما تم إنتاجه وتصويره من قبل عن طرق تهريب النطف، ومنها تهريب النطفة من يد الزوج الأسير إلى يد الزوجة مباشرة، بواسطة مغلف قطعة حلوى تلتقطها أنامل الزوجة من خلال شقّ صغير في سياج السجن. ولنا أن نتخيّل أن السياج يُلصق بمادةٍ لاصقةٍ قوية، ولكنها لا تستعصي على الأسير، حيث يُنتزع جزءٌ منها في غفلةٍ من الحرّاس وحتى الكاميرات، وكأنه يضع كفّه على حافّة السياج ثم يمرّر غلاف قطعة الحلوى التي تستلمها الزوجة، ولا تقطع وقت الزيارة، لكي لا تثير الشبهات، ولكنها تتجه بسرعة نحو عربةٍ خاصةٍ ومجهزة، تنتظرها خارج أسواره، ثم إلى المستشفى، وحيث ينتظرها أيضا شهودٌ من عائلتها وعائلة زوجها.
أخيرا، يمكن أن نلتمس عذرا صغيرا للمخرج، محمد دياب، لأنه أوقف عروض فيلمه "أميرة"، ما يدل على أنه أدرك، مع صنّاع الفيلم، فقدانهم الموازنة بين الخيال والمشاعر الخاصة بقضية الأسرى، ما يجعلنا نستبعد سوء النية من الأساس.