ما ستحمله الانتخابات التونسية

16 ديسمبر 2022
+ الخط -

يتوجّه الناخبون التونسيون بعد غد الأحد (18 ديسمبر/ كانون الأول)، إلى صناديق الاقتراع، ليدلوا بأصواتهم في انتخابات تشريعية، في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بتونس، والتي تفاقمت مع إجراءات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية التي بدأها في 25 يوليو/ تموز 2021. ويتنافس في الانتخابات 1058مترشحاً على 161 مقعداً في مجلس النواب، يتوزعون على 161 دائرة انتخابية، بينهم 120 امرأة. ومعظم المترشحين من المستقلين، وبعضهم ينتمي إلى أحزاب مؤيدة لإجراءات الرئيس، فيما تقاطعها أغلب الأحزاب التونسية.

وتجري الانتخابات تجسيداً لنزعة سعيّد الكارهة للتجربة البرلمانية الحزبية، لصالح ما يمكن تسميتها القاعدية الشعبوية، التي اقتضت، في البداية، تجميده عمل البرلمان ضمن سلسلة إجراءاته الأحادية، ثم الإعلان عن حلّه بعد ثمانية أشهر، وبعدها أصدر، في سبتمبر/ أيلول الماضي، مرسوماً قضى بتعديل القانون الانتخابي لعام 2014، وقلّص فيه عدد مقاعد مجلس النواب من 217 إلى 161، منها 151 في الداخل، و10 للدوائر الانتخابية في الخارج.

وينهض القانون الانتخابي على نظام الاقتراع على الأفراد، وإلغاء الاقتراع على الانتماء الحزبي للمترشّح، بغرض ضرب دور الأحزاب السياسية، لكنه يعجّ بالفجوات والأخطاء، مثل إغفاله حالة يصبح فيها المرشّح نائباً من دون عناء، وقبل إجراء الانتخابات، إلى جانب وجود دوائر انتخابية بلا مرشّحين، وهو أمر لم يحدث في أي انتخابات في أي دولة. كما لم تحدُث في نظامي الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. يضاف إلى ذلك أن القانون الانتخابي لا يضمن نزاهة الانتخابات في المجتمع التونسي، حيث يفتح الباب أمام مختلف الروابط والانتماءات ما قبل المدنية، لتكون المعيار في التصويت على المترشّحين، وخصوصا روابط القرابة والعشيرة والمصالح المادية على حساب البرامج الانتخابية والكفاءة والنزاهة. كما أنه اشتراط أن يكون تمويل المترشحين ذاتياً، وحرمهم من الحصول على التمويل الحكومي لإدارة حملاتهم الانتخابية، ما يعني فتح الباب أمام الأعيان والأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال للترشّح والوصول إلى مجلس النواب، وحرمان قطاعات واسعة من التونسيين من الأمرين، كونهم لا يملكون المال لتمويل حملات انتخابية وما تتطلبه من وسائل فنية ودعائية للتواصل مع جمهور الناخبين والتعريف بأنفسهم وببرامجهم الانتخابية، الأمر الذي يخلّ بمبدأ المساواة الذي يعدّ من أهم المعايير الدولية للانتخابات الحرّة والنزيهة.

يريد نظام سعيّد من إجراء الانتخابات تقديم نفسه للعالم ديمقراطيا، في حين أن الجميع يعلم أنها شكلانية

وبالنظر إلى أن الانتخابات تجري وسط انقسام حاد في الساحة السياسية في تونس، وتشكيك الأحزاب المعارضة بشرعيتها وشرعية جميع إجراءات الرئيس، فهي لا تحظى بإجماع وطني، وبالتالي، من المرجّح أن تشهد عزوفاً شعبياً، كونها تجري بلا منافسة حقيقية بين المرشّحين، ووفق قانون انتخابي يحرم قطاعاً واسعاً من التونسيين من حقهم في الترشّح، ولن ينتج سوى مجلس نواب مشلول، ومحدود الصلاحيات، التي جرّده منها الدستور الذي وضعه سعيّد بنفسه، بغرض توطيد صلاحياته وسلطاته التي لا ينازعه عليها أحد، واستكمالاً لاجراءاته الأحادية المحكومة بنزعته الشعبوية التسلطية، الكارهة للمؤسسات الديمقراطية، والساعية إلى توطيد نظامه الشعبوي، القائم على اعتباره الفرد الوحيد في تونس المخوّل إصدار النصوص القانونية والتشريعات فيها منذ ما يقارب العام ونصف العام.

وتتزامن الانتخابات مع وضع اقتصادي واجتماعي متدهور، ليس فقط على المستوى السياسي، بل أيضا على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وبشكل أثّر كثيراً على معيشة التونسيين، حيث دخلت الأزمة السياسية والاقتصادية مرحلة جديدة من التفاقم، مع ظهور أعراض على مرافق البلاد وخدماتها تدّل على فشل الدولة التونسية، وباتت في وضع إفلاس حقيقي، تجسّد في عجزها عن تأمين رواتب موظفيها، وفي تأمين مستلزمات حياة عامة الناس المعيشية، الذين باتوا يعانون من الارتفاع الكبير في أسعار الوقود والسلع الاستهلاكية، وارتفاع نسب البطالة والتضخّم والفقر، ما دفع قطاعات من الشباب العاطلين عن العمل والهاربين من جحيم حياتهم، وحتى موظفي الدولة، إلى المخاطرة بحياتهم وسلوك طرق الهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، الأمر الذي جعلهم عرضة للاستغلال من تجار البشر، وللغرق في مياه البحر المتوسط.

مظهر خادع لديمقراطية زائفة تحت ظل نظام شعبوي سلطوي

ولن تحمل الانتخابات ما يمكن أن يسهم في جلب الاستقرار إلى تونس، حسبما وعد سعيّد الشعب، بل مزيداً من الفشل السياسي والاقتصادي، كونها لن تشكّل سوى حلقة، تضاف إلى حلقات أخرى تضمنتها خطّته الشعبوية التي وضعها بنفسه، بغية التأكيد على التزام نظامه بتسديد ديونها، واتباع إرشادات صندوق النقد الدولي، وعلى المضي في استجلاب معونات ومساعدات قوى الخارج الدولية، لذلك حرص على إجراء الانتخابات التشريعية وفق الدستور الجديد في اليوم الذي يصادف الذكرى الثانية عشرة لإشعال محمد بوعزيزي جسده وانطلاق الثورة التونسية، ليس تخليداً لهذه الذكرى، إنما للركوب عليها تنفيذاً لمطالب صندوق النقد الدولي الذي اشترط منح القسط الأول من قرض موعود لتونس بعد أن تجري الانتخابات، وللإيحاء بأن الصندوق يتعامل مع بلد يعيش في وضع مستقرّ، ولديه مجلس نواب يشرّع القوانين ويصادق على الاتفاقيات الدولية.

ويريد نظام سعيّد من إجراء هذه الانتخابات تقديم نفسه للعالم ديمقراطيا، في حين أن الجميع يعلم أنها شكلانية، ولن تحمل سوى مظهر خادع لديمقراطية زائفة تحت ظل نظام شعبوي سلطوي، لا يفترق كثيراً عن نظام بن علي الاستبدادي الذي كان يحرص على إنتاج مظاهر مختلفة لمؤسسات ديمقراطية شكلانية وزائفة، كان يتّخذها لإنتاج نفسه في الداخل التونسي، واستجلاب مسوّغات قبوله سياسياً على المستوى الدولي.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".