ما دور بشّار الأسد؟

12 نوفمبر 2023
+ الخط -

شكّلت القضية الفلسطينية إحدى ركائز نظام البعث في سورية، يعتاش عليها ويتغذّى. وقد أطلق مواقف ذات سقف مرتفع يتجاوز، أحيانا، ما تطالب به الفصائل الفلسطينية نفسها. وكانت وسائل الإعلام الرسمية السورية لا تفتأ تكرّر عناوين القضية وحقوق الشعب الفلسطيني. وقد ساعد في ذلك وجود سورية الإقليمي قرب مكان الحدث، ما جعل نظامها مشاركا إجباريا في سيناريوهات الحلّ، وجزءا من ركائز السلام أو الحرب. ومن هذا المنطلق، أراد أن يمارس وصاية على منظمة التحرير التي عدّتها القمّة العربية في الرباط عام 1974 الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. بالدبلوماسية أحيانا وبالقوة أحيانا أخرى، أراد النظام في سورية أن تكون له الكلمة الفصل في قرارات المنظمة وسياساتها. ونجح أحيانا وفشل في أكثر الأوقات، فقد كانت قيادة المنظمّة تعطيه ما تريد وتمنع عنه ما ترغب. وقد فطن إلى هذه السياسية، فلجأ إلى الخداع للإيقاع بقادة المنظمة، بزرع الشقاق بينهم كما حدث بعد حرب لبنان عام 1982، حين شجّع قادة في حركة فتح على الانشقاق وتأسيس "فتح الانتفاضة". وكان قد ساهم سابقا في تخليق منظمّات فلسطينية قدّم لها الدعم والسلاح، ووضع على رأسها قادة من صناعته، وحاول أن يجد لها جبهة واسعة ضمن مؤسّسات العمل الفلسطيني، كمنظمة قوات العاصفة، ثم مارس أساليب عديدة مع القائد التاريخي لمنظمة التحرير ياسر عرفات الذي عانى من علاقات سيئة وغير مستقرّة مع النظام طوال فترة حكم حافظ الأسد.

نشط النظام بالدرجة ذاتها على الجبهة اللبنانية، فمارس وصاية برعاية إيرانية على لبنان، وامتلك ذراعا طويلة في هذا الجانب، ثم قصُرت ذراعه قليلا بعد اغتيال رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، لكنه خلال ذلك الوقت ضبط إيقاع حركة حزب الله في الجنوب، فصعَّد وهدّأ بالمقدار الكافي، ليصنّف ضمن المجموعة المعادية لإسرائيل بشدّة، والواقفة إلى جانب الحقوق العربية.

أظهر النظام نفسه بقوّة في الحرب بين إسرائيل وحزب الله عام 2006، أي بعد عام من اغتيال الحريري. وقد خرج بشّار الأسد، عقب نهاية الحرب، في خطابه الذي وصف فيه قادة عربا بأنصاف الرجال، وقد كلفه هذا الخطاب عدّة سنوات من الدبلوماسية التي تستجدي إصلاح علاقاته المتدهورة مع قادة خليجيين، لكنه أراد بذلك الخطاب التصادمي أن يسجّل موقفا متقدّما ضد إسرائيل، وإلى جانب حزب الله الذي تلقّى لوما واسعا لافتعاله تلك الحرب، في وقت كان لبنان يعاني اقتصاديا بشدّة. تبنّى النظام مواقف أرادها أن تكون متطرّفة، وأراد أن يقبض على الفصائل المعادية لإسرائيل ويسيطر على أنشطتها، من دون أن يضطرّ إلى تحريك جبهته الخاصة، المناسبة أكثر لشنّ هجماتٍ على إسرائيل، وفضّل أن يخوض معاركه بأسلحة غيره وأرض الآخرين، حتى عندما كان في أوج قوته وحضوره الإقليميين.

أصابت الثورة استقرار النظام السوري بشكل بليغ، فغيّر في عقائده واستراتيجياته، وفي موقفه التقليدي من منظمات العمل ضد إسرائيل، وحتى موقفه المعروف من إسرائيل، ولجأ في حربه على الشعب إلى حزب الله، فسلمه جبهات قتال كاملة، خصوصا في حمص والجنوب السوري. وأجل حزب الله بدوره معركته المعلنة مع إسرائيل لصالح معاركه في الداخل السوري، حتى جاء تصريح الأسد قبل أشهر، مع قناة سكاي نيوز عربية، لافتا ضد حركة حماس، إحدى منظمّات المواجَهة مع إسرائيل، عندما وصف موقف قادتها بالغادر. وقد أصبح واضحا أن النظام منصرفٌ أكثر لتثبيت نفسه بأي ثمن. وبدا جليا أن مواقفه من إسرائيل كانت للسبب نفسه. والآن بينما تشتعل غزّة ومهدّدة بأن تتحوّل إلى ركام. بالكاد يظهر خبر مندّد على صفحات النظام. ويبدو أن هناك تفهّما كبيرا من حلفاء الأسد، في إيران وغيرها، لتقديم سلامة عرشه على أي شيء.