ما حملته انتخابات التجديد النصفية الأميركية

20 نوفمبر 2022
+ الخط -

لم تحمل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في الولايات المتحدة فوزاً كبيراً للحزب الجمهوري، وانحسر تقدّمه في مجلس النواب بحصوله على أغلبية ضئيلة على حساب خسارة الحزب الديمقراطي عدداً من المقاعد. ولم يتمكّن الرئيس السابق دونالد ترامب وحزبه الجمهوري من تحقيق "موجة حمراء"، حسبما كان متوقعاً في استطلاعات الرأي ووسائل إعلام عديدة، لأن الحزب الديموقراطي تمكّن من التصدّي لها والحدّ من الأضرار، ومن حرمان ترامب من تشكيل حركة مدّ قوية، كان يراهن عليها من أجل العودة إلى البيت الأبيض، فاضطر إلى إرجاء إعلان ترشّحه لانتخابات الرئاسة المقبلة.

وأظهرت نتائج الانتخابات النصفية أن المزاج الوطني العام في الولايات المتحدة لا يميل إلى اليمين المسيطَر عليه من قادة شعبويين، لذلك لم يستطع الحزب الجمهوري تحقيق عودة قوية فيها، نظراً إلى أن ما يقرب من نصف الناخبين الأميركيين لم يمنحوه بطاقة عبور تمكّنه من التحكم بالقرار الأميركي، لكنها أظهرت، في الوقت نفسه، أن النصف الآخر من الأميركيين لا يميل إلى برامج الديمقراطيين وأطروحاتهم، ولا إلى الإقرار بالحقوق المدنية والإنسانية والاجتماعية والمعيشية لكل الأميركيين، لأنهم باتوا يتبنون أفكار تعصّب وفاشية، وينصبّ همّهم الأكبر على حماية امتيازات الرجل الأبيض المسيحي، فضلاً عن أن النزعات الشعبوية والانعزالية واليمينية المتطرّفة والفاشية ما تزال تحتل مواقع مهمة في قلب أرفع مؤسسات الولايات المتحدة التشريعية والدستورية والفدرالية والإدارية وأعلاها.

لم يتمكّن ترامب وحزبه الجمهوري من تحقيق "موجة حمراء"، حسبما كان متوقعاً

وعلى الرغم من أن النظام السياسي الأميركي يقوم على ثنائية حزبية، طرفاها الحزبان الجمهوري والديمقراطي، وعلى مراهنة توفيره مناخاً حكومياً مستقراً، إلا أنه بات من الثابت تقريباً تعرّض حزب الرئيس إلى خسارة في انتخابات التجديد النصفية في الكونغرس، وبما يفضي إلى تغيير الأغلبية فيه، ولم تخرج عن ذلك سوى دورتين رئاسيتين، أولهما في عام 1934 في عهد فرانكلين روزفلت، والثانية في عام 2002 في عهد جورج دبليو بوش.

وقد جرت انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في أجواء مشحونة ومحتدمة داخلياً وخارجياً في الولايات المتحدة، بعد الاعتداء على بول بيلوسي، زوج زعيمة مجلس النواب نانسي بيلوسي، ووصول حالة التشنّج والاستقطاب إلى درجة غير مسبوقة بين الديمقراطيين والجمهوريين، وتصاعد الخلافات بينهما بشأن سبل معالجة الصعوبات والإشكالات الاقتصادية والمجتمعية، بالتزامن مع تحدّيات تواجهها على الصعيد الخارجي، في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا وتزايد حدّة المواجهة مع الصين، والغموض الذي يكتنف علاقاتها مع حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط، وخاصة العربية السعودية والإمارات وغيرهما.

وعلى الرغم من أن انتخابات التجديد النصفي للكونغرس لم تفض إلى تمكين الجمهوريين من تحقيق فوز كاسح فيها، إلا أنها أفضت إلى نوع من التوازن السياسي، وهو ما سيترك أثره على مستقبل الرئيس بايدن، في ظل تدنّي شعبيته وافتقاره إلى الجاذبية، وبروز تساؤلات بشأن كبر سنه وحالته الصحية، وعدم حصول إجماع في الحزب الديمقراطي حول اعتباره المرشح الأفضل لانتخابات الرئاسة المقبلة. وفي المقابل، لم يتمكّن ترامب من تعزيز مكانته السياسية، ولا من تحقيق "مكاسب تاريخية" في الانتخابات النصفية، بل إن أطرافاً في الحزب الجمهوري باتت تحمّله المسؤولية في الإخفاق، وعدم تحقيق التقدّم المطلوب فيها، نتيجة خسارة معظم المرشّحين الذين اختارهم ودعمهم في هذه الانتخابات، كونهم ساروا على نهجه في التشكيك سلفاً في نتائجها، وتعمّدوا اللجوء إلى سياسة إثارة خوف الناخبين وغضبهم بمساعدة بعض وسائل الإعلام.

أظهرت نتائج الانتخابات النصفية أن المزاج الوطني العام في الولايات المتحدة لا يميل إلى اليمين المسيطَر عليه من قادة شعبويين

وستنعكس نتائج الانتخابات على سياسات الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً، حيث ستتواصل الخلافات حول الملفات والقضايا الداخلية، وخصوصاً في الملف الاقتصادي، مع ارتفاع نسبة التضخّم إلى مستويات قياسية، وارتفاع أسعار الوقود، إلى جانب ملف الضرائب وحدود الدين، والإنفاق الحكومي الذي ترى إدارة بايدن في زيادته أمراً ضرورياً من أجل ضمان التشغيل السلس لسوق سندات الخزانة الأميركية، فيما يعترض الجمهوريون على زيادة الضريبة على الأغنياء، ويطالبون بتخفيض الإنفاق الحكومي ورفع سقف الدين العام، كما يعارضون التوجّه الرامي إلى رفع سعر الفائدة على الدولار. يضاف إلى ذلك وجود جملة من القضايا الخلافية بين الديمقراطيين والجمهوريين، تلك المتعلقة بقضايا ومشكلات البيئة والهجرة، وقضية الإجهاض المثيرة للجدل في المجتمع الأميركي، وقضية الحدّ من حمل السلاح وسوى ذلك.

وعلى مستوى السياسة الخارجية، هناك تقارب في وجهات نظر الجمهوريين والديمقراطيين حول ملفات وقضايا دولية، تخصّ دعم أوكرانيا والتشدّد حيال روسيا بعد حربها على أوكرانيا، لكن من المرجّح أن يتأثر الدعم المالي لأوكرانيا في ظل تزايد التأزم والركود الاقتصادي، إضافة إلى تململ الجمهوريين من تقديم بلادهم ما يزيد عن 17 مليار دولار لأوكرانيا. كما يمثل الصراع مع الصين أحد الملفات غير الخلافية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ما يعني استمرار الضغوط الاقتصادية على الصين، وعدم تغير سياسات الولايات المتحدة الداعمة استقلال تايوان.

على المستويين، الإقليمي والعربي، لن تؤثر ما آلت إليه نتائج انتخابات التجديد النصفية للكونغرس على الموقف من القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والانحياز الكامل لدولة الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً أن انتخابات التجديد النصفية تقاطعت مع إرهاصات فوز اليمين العنصري والمتشدد في إسرائيل، وعودة نتنياهو إلى تصدّر المشهد السياسي فيها. وبخصوص العلاقة مع إيران، من المرجّح أن الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب ستحاول وضع عراقيل أمام إمكانية عودة إدارة بايدن إلى الاتفاق النووي مع إيران. وتبقى العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية محط ترقّب، وما إذا كانت إدارة بايدن ستتخذ خطوات تصعيدية ضد السعودية على خلفية دعمها خفض إنتاج النفط.

5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".