ما بعد هزيمة إيران في لبنان والعراق

19 مايو 2022
+ الخط -

لم ينظر العالم العربي والاسلامي، بأكثريته السنية، إلى نظام الجمهورية الاسلامية في إيران نظرة طائفية. كانت النظرة إلى الخميني قائدا ثائرا على ظلم الشاه وعلى الهيمنة الغربية والنفوذ الصهيوني. ورغم مرارات الحرب العراقية الإيرانية والتواطؤ مع حصار العراق والحرب عليه، ومساهمتها السيئة في الاحتراب الطائفي فيه، تمكّنت إيران من تحقيق شعبية جارفة في العالم العربي والإسلامي، بعد حرب تموز في لبنان في 2006، بعيدا عن الانقسام الطائفي.
تراجعت تلك الشعبية، وربما تلاشت، نتيجة سياسات الغطرسة الطائفية التي ما تزال إيران تصرّ عليها. وكشفت الانتخابات في لبنان، وقبلها في العراق، مدى الغضب عليها، حتى في أوساط الشيعة والحلفاء، فإيران تتعامل مع المنطقة، شيعة وسنة، بعقلية التبعية وبطائفية فجّة، بعيدا عن مفهوم الأمة الواحدة والوطن الجامع. تعاملت مع اللبنانيين بعيدا تماما عن فكرة الوطن الجامع، هي التي تقرّر من يقود البلد، من يقود المسيحيين ومن يقود السنة. تحالفت مع ميشال عون على حساب خصومه من "القوات اللبنانية" وغيرهم، وساهمت في تدمير زعامة الحريري، من اغتيال الأب، كما كشفت التحقيقات الدولية، وصولا إلى محاصرة سعد الحريري وصناعة زعامات سنيةٍ منافسةٍ له.
مارس حزب الله استقواء على السنّة، تجاوز بيت الحريري، فقلّ أن تجد سنّيا في لبنان لا يحمل مخزون غضبٍ على الحزب، وساهمت تلك السياسات الطائفية في تحوّل عدد من شباب السنة الغاضب إلى "داعش" وأخواته، رغبة بالانتقام، وبحثا عن الكرامة المهدورة. وعلى الرغم من دعوات الحريري إلى مقاطعة الانتخابات، تحوّل الغضب تصويتا مناكفا لحزب الله. وفي مناطق السنة، تراجع الحزب وحلفاؤه، وفاز مرشّحو شباب التغيير وخصوم الحزب. تفوح رائحة طائفية قبيحة في تحالفات الحزب ضد السنّه، فهو يتسامح تحالفا مع الجنرال عون إلى درجة العفو عن كبار عملاء إسرائيل الذين تورّطوا بالدم اللبناني من خلال شبكات التجسّس أو مخلفات جيش لبنان الجنوبي. ويتحوّل هذا التسامح تشدّدا مع السنّة في التعامل مع قضاياهم الأمنية، مثل قضية الشيخ أحمد الأسير.
دفعت إيران وحزب الله ثمن الخطأ في لبنان، ليس الخطأ مع السنّة بل مع لبنان بعامة. تعاملت معه باعتباره، كسورية والعراق واليمن، من ساحات الصراع، لا بلدا له شخصيته. في العراق، كانت الهزيمة أقسى من لبنان وأوضح، لأن الأخطاء أكبر. تعاملت مع حسن نصرالله شريكا لها، وسلّمته ملفات كثيرة، بما فيها ملفا العراق واليمن. وبات معروفا أن ممثله، رجل الدين محمد كوثراني، هو من يقرّر مع قاسم سليماني سابقا، وقاآني لاحقا، مصائر السياسيين العراقيين. ومثل أي سلطةٍ مطلقة، تتحول إلى مفسدة مطلقة، جيّر شقيقه، رجل الأعمال، عدنان كوثراني، نفوذه السياسي والأمني في العراق إلى مصالح تجارية، وفتح طريقا باتجاهين لشراء النفوذ، من يريد منصبا يشاركه ومن في المنصب كشريك! وفوق ذلك، أسّست إيران شبكات تهريب مخدّرات وسلاح، تعتمد على الحشيش اللبناني والكبتاغون السوري.
لم تتعامل إيران مع حلفائها في العراق كما تعاملت مع نصرالله، بل بفوقية وتبعية. أما تعاملها مع السنّة، فكان حربا طائفية لم تضع أوزارها. حاولت قيادات السنّة، وأبرزها الشيخ خميس الخنجر، زعيم تحالف السيادة، الكتلة السنّية الأكبر، فتح صفحة جديدة مع الزعامات الشيعية التابعة لإيران، في سبيل بناء شراكةٍ وطنيةٍ تقوم على تنازلاتٍ بسيطةٍ من "الحشد الشعبي"، مثل عودة المهجّرين، والإفراج عن المعتقلين والمحكومين ظلما بالإعدام، لكنها لم تنجح. ولا يزال أطفال من السنّة ونساء وشيوخ منهم يعيشون في مخيمات في بلدهم بينما تحتلّ (نعم تحتلّ) مليشيات حزب الله بلداتهم، ولا يزال خيرة شبابهم في السجون. وضع الخنجر على قائمة العقوبات الأميركية، ولم ينجح في إعادة مهجّري جرب الصخر إلى بلدهم. في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تحالف الخنجر الذي يقود تحالف السنّة العرب والبرزاني، أبرز الزعامات الكردية وأكثرها وطنية، مع التيار الصدري. لم تتعامل إيران مع هذا التحالف باحترام، واعتبرته تهديدا للشيعة، مع أنه يضم أكبر كتلة شيعية، وكأن الوطنية والتعامل بمنطق الأكثرية السياسية لا الطائفية من نواقض المذهب. مع أن الخنجر والصدر هما السياسان العراقيان الوحيدان اللذان لهما موقف واضح من التطبيع، واتهمهما الأميركان بدعم المقاومة العراقية. ولو تعاملت إيران بمنطق الشراكة والتحالف السياسي لما وجدت خيرا منهما، لكن منطقها التبعية والإلحاق.
هُزمت إيران في لبنان والعراق، ولو جرت انتخابات في سورية واليمن لهُزمت جماعتها أيضا. ولا تزال الفرصة أمامها مواتية لتحويل خساراتها إلى أرباح، إذا قرّرت أن تتعامل وفق منطق الجوار والشراكة والأمة والوطن. أما إذا فضلت المذهب على ذلك كله، فستخسر حتى أصحاب المذهب، أو من بقي منهم معها.

83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
83B64D8F-BC3E-45BA-96A2-36C353D769E9
ياسر أبو هلالة

كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.

ياسر أبو هلالة