ماذا يفعل العرب بعد اكتمال المذبحة؟
لن يردع الضغط الدولي الكيان الصهيوني عن مواصلة جرائمه، فلا أميركا ولا روسيا تستطيعان إجبار إسرائيل على الالتزام بما يقرّره مجلس الأمن أو محكمة العدل الدولية، والجنائية الدولية، لسببٍ بسيط للغاية، أنّ أحدًا من القوى الدولية الفاعلة لا يرغب في ذلك، ولا يريد أن يضحّي بمصالحه في استمرار الاحتلال، بجرائمه ومذابحه، على هذه الأرض.
حتى ضغوط الرأي العام والتظاهرات الشعبية الباهرة التي تُضيء شوارع العواصم الدولية الكبرى، ومع الإقرارِ بنُبلها الإنساني وقيمتها الأخلاقية المحترمة، إلّا أنّها لا تكفي لكي تغيّر حكومات هذه العواصم موقفها المنحاز، أو بالحدِّ الأدنى المتواطئ مع جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ذلك أنّ هذا المجتمع الدولي لا يعترف بالمعايير الأخلاقية، ولا يقرّ بسلطة الضمير الإنساني، وما يحرّكه فقط هو المصلحة كما تحدّد خصائصها القيم الإمبريالية المتوحشة، تلك القيم المنحطة أخلاقيًّا التي تجلّت قبل أربعة أعوام مع جائحة كورونا، حين وجدنا الاستعلاء العنصري بأبشع صوره فيما عرف بعنصرية اللقاحات، والذي يتكرّر في ازدواجية المعايير حيال كلّ من فلسطين وأوكرانيا.
ما العمل إذن؟ تقول كلّ الشواهد إنّه ليس من سبيلٍ لردع هذا العدو سوى أن يتذكّر العرب أنّهم عرب، وليسوا مجرّد مجموعاتٍ شرق أوسطية على رقعة الشطرنج الأميركية تحرّكها كيف تشاء، ثم أن يسلك هؤلاء الذين تذكّروا أنّهم عربٌ بوصفهم عرباً، بما تحمله هذه الصفة من اعتباراتٍ واستحقاقاتٍ تخصّ الهوية الحضارية والجغرافية والتاريخية، تتعلّق بقضية فلسطين التي كانت الدافع الأوّل، وربّما الوحيد لإنشاء كيانٍ اسمُه جامعة الدول العربية له ميثاق مُلزم للجميع، ومحدّداتٌ للحركة، وثوابت قومية ووطنية منذ الانعقاد الأوّل لهذا الكيان، حيث تَقرّر أنّ قضية فلسطين قلب القضايا القومية، باعتبارها قُطراً لا ينفصل عن باقي الأقطار العربية، مع ما يستلزمه ذلك من ضرورة الوقوف أمام الصهيونية، باعتبارها خطرًا لا يداهم فلسطين وحسب، وإنّما جميع البلاد العربية والإسلامية، ومن ثم اعتبار أيّ سياسة عدوانية موجهة ضد فلسطين تأخذ بها حكومتا أميركا وبريطانيا هي سياسة عدوانية تجاه دول الجامعة العربية كافة.
السؤال الآن بعد الكشف عن الفظائع التي ارتكبها الاحتلال في عملية الحرب على مستشفى الشفاء في غزّة، واقتراب المأساة من الاكتمال بغزو رفح، ماذا سيفعل الأشقاء العرب؟. في أفضل السيناريوهات، سوف يذهب بعضهم إلى غزّة مراقبين لضبط الحالة الأمنية، فيما يتولّى آخرون منهم الإنفاق على عمليات إعادة الإعمار، وقد يدفعون تعويضاتٍ عن الضحايا ومساعداتٍ لمن تبقّى منهم حيًّا... وذلك كله نيابة عن الكيان الصهيوني، وإرضاءً للسيد الأميركي الذي يأمر فيُطاع، ولن تعدم أن تجدهم يعدّون ذلك دوراً نضاليًاً لمساعدة الشقيق المقتول.
ليس في ذلك أيّ افتئات أو افتراء على أشقاء فلسطين، إذ يجب ألا تنسى وأنت تُطالع جثث شهداء مستشفى الشفاء ملقاة في الشوارع أنّه وقت ارتكاب الجريمة كان مهندسها ومخطّطها رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، رونين بار، عاكفاً على تناول طعامه في وليمة رمضانية بالقاهرة بدعوة من رئيس المخابرات المصرية عبّاس كامل. وبحسب موقع "واللا" العبري، استضاف الأخير استضاف رئيس مخابرات الاحتلال (الشاباك)، لتناول إفطار رمضاني في القاهرة الأربعاء الماضي
من المهم أن تعلم كذلك أنّ هذه المذبحة، وهي من الأكثر بشاعة منذ بداية العدوان على غزّة، إنجاز مشترك لأجهزة الشاباك وأمان والموساد، إذ كان المتحدّث باسم جيش الاحتلال، دانيال هاغاري، قد قال "بحسب معلومات استخباراتية دقيقة من الشاباك (جهاز الأمن العام) وأمان (الاستخبارات العسكرية)، فإن "المخرّبين" اختبأوا في المستشفى، ولقد راقبنا المبنى فترة طويلة، وانتظرنا التوقيت الأنسب للتحرّك".
لماذا إذن لا نقول إنّ المذبحة جرت بعلم (على الأقل بعلم) عواصم عربية لم تتوقف عن استضافة قادة الأجهزة التي نفذتها بدعوى العمل على التوصّل إلى صفقة أو هدنة، وترى في موافقة نتنياهو على إرسال وفوده الأمنية إليها تنازلاً وإنجازًا دبلوماسيًّا لها؟. لماذا لا نمنح النظام الرسمي العربي حقّه في إنجاز اقتحام المستشفى وقتل من فيه، وهو الذي استبسل في محاولة منع الجماهير العربية الغاضبة من الهتاف دعماً للمقاومة الفلسطينية في أثناء تنفيذ الاحتلال جريمته في مجمع الشفاء؟
والحال كذلك، جيّد أن نتذكّر تصريح وزير خارجية أميركا، أنتوني بلينكن، في يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد ثلاثة أشهر من العدوان، إنّ أربعة بلدان عربية وتركيا ستفكّر في المشاركة بإعادة الإعمار، بعد إيقاف الحرب على غزّة. ماذا يمكن أن نتوقّع أكثر من ذلك من مقاولي الموت ومقاولي إعادة البناء؟