ماذا يريد بايدن؟
أيام قليلة تفصلنا عن الجولة التي يقوم بها الرئيس الأميركي، جو بايدن، في المنطقة، ويستهلها بزيارة إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية، قبل أن ينتقل يوم السبت المقبل إلى السعودية، في أول رحلة مباشرة من تل أبيب إلى الرياض، بعدما كان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، دشّن مثل هذه الرحلات لكن بشكل معاكس، حين انتقل من الرياض إلى تل أبيب في 2017 في أعقاب القمّة التي جمعته مع زعماء العالم الإسلامي في ذلك الحين.
التركيز خلال الجولة منصبٌّ على اللقاءات المرتقبة في السعودية، حيث سيجتمع بايدن مع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي، فيما لا آمال تُذكر موضوعة على ما يمكن أن يحمله الرئيس الأميركي في زيارته إلى دولة الاحتلال والأراضي الفلسطينية. فلا توقعات بإحياء مسار المفاوضات وتحريك الجمود الذي يعتريها منذ سنوات، في ظل الوضع السياسي الهش الذي تعيشه إسرائيل، واقترابها من الانتخابات التشريعية الخامسة خلال ثلاثة أعوام. هذا ناهيك عن أن بايدن وإدارته لا يضعان القضية الفلسطينية في أولوياتهما، والرئيس الأميركي لا يحمل أي مقترح أو مبادرة لاستئناف العملية السياسية/ فزيارته رام الله لن تكون أكثر من فرصةٍ للضغط على الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، لبذل مزيد من الجهد لحماية أمن إسرائيل.
أمن إسرائيل بالتأكيد سيكون ذا أولوية في اجتماعات الرياض، مع ملفاتٍ أخرى. غير أن ما يروج، منذ الإعلان، عن الزيارة إن هدف اللقاءات في الرياض هو تشكيل حلف معادٍ لإيران لا يبدو أنه يحمل كثيرا من الدقة، في ظل المتغيرات الحاصلة في علاقات الأطراف الموجودة في الاجتماع مع طهران، وفي مقدّمة هذه الأطراف تأتي الولايات المتحدة نفسها. لا شك أن إسرائيل هي الساعية، بالدرجة الأولى، إلى تشكيل مثل هذا الحلف، وهي تجد من يُجاريها في ذلك من المجتمعين في الرياض، غير أن تطورات الأسابيع الأخيرة وضعت تكوين مثل هذا الحلف موضع شكّ.
يمكن إجراء جرد بسيط وسريع للعلاقات القديمة والمستجدّة بين المشاركين في الاجتماع وإيران، بداية من الولايات المتحدة التي تسعى إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران وفق شروط واشنطن، ورغم أن طهران لا تزال رافضةً هذه الشروط، إلا أن باب المفاوضات أعيد فتحه بعد توقف فترة بسبب الخلافات، ما يؤشّر إلى بوادر تنازلاتٍ ممكنةٍ في الجولات المقبلة. أحد عرّابي هذه العودة الجديدة للمفاوضات هو دولة قطر، المشاركة أيضاً في اجتماع الرياض، والتي لا ترى مصلحة سياسية أو اقتصادية أو أمنية في تشكيل مثل هذا الحلف المعادي لإيران، وفي هذا التوقيت بالذات. وها هي اليوم تلعب دور الوسيط في تذليل العقبات أمام محاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني، واستضافت بالفعل جولة المفاوضات، وزيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى طهران قبل أيام تأتي في هذا السياق. أيضاً يمكن النظر إلى موقف سلطنة عُمان من الزاوية نفسها، فمسقط كانت دائماً وسيطاً مباشراً وغير مباشر بين إيران والدولة الغربية، إضافة إلى أنها ملتزمة الحياد في صراعات المنطقة، وهي بالتالي غير معنية في الدخول بجبهة ضد إيران.
أما السعودية، المستضيفة للقاء، فهي أيضاً لم تغلق الباب أمام الحوار والتصالح مع إيران. ومن اللافت ما تم الإعلان عنه قبل أيام عن لقاء مرتقب في العراق بين وفدين سعودي وإيراني، ومن الممكن أن تصدر عنه مواقف مهمة في مجال التقارب بين الرياض وطهران. فكيف يتقاطع هذا التقارب مع الأحاديث عن سعي السعودية إلى تشكيل تحالف ضد إيران؟ وأي تحالف ممكن أن يتشكل من طرفين، هما الإمارات والبحرين، هذا إذا فرضنا أنهما معنيان في فتح مثل هذه الجبهة، في ظل العلاقات الاقتصادية الوطيدة القائمة مع إيران؟
لا يمكن أن تكون أهداف بايدن تشكيل مثل هذه الجبهة، وهي ليست من أولوياتها، فالدرجة الأولى يرغب الرئيس الأميركي في تأمين مصادر الطاقة، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، ومحاولات الرياض وأبوظبي التملص من رغبة واشنطن في زيادة إنتاج النفط، وبالدرجة الثانية يسعى بايدن إلى الحفاظ على المسار الذي دشنه سلفه في فتح باب التطبيع مع إسرائيل، وهو ما لن يجهد نفسه في تحقيقه مع تخطي بعض المشاركين الرغبات الأميركية بالتطبيع إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.