ماذا لو عاد ترامب؟

27 يناير 2024
+ الخط -

لم تعُد عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مجرّد فرضية غير معقولة، كما كانت عليه قبل أشهر قليلة. انتصاراته في أول ولايتين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، آيوا ونيوهامبشير، صاغت تعريفاً جديداً لمفهوم "سحق المنافسين الداخليين". ومع أن نيكي هيلي تواجهه وحيدة، إلا أن أغلب الظن أنها لن تستمرّ طويلاً في مجابهته، وستتنحّى في وقتٍ قريب. إذاً، ما الذي قد تعنيه عودة ترامب بالنسبة إلى من هو غير أميركي؟

في أوروبا، أطلق مسؤولوها النداء للاستعداد لأميركا ـ ترامب، وفي اعتبارهم أن الرجل العائد لن يختلف عن الذي كان عليه في ولايته الأولى (2017 ـ 2021)، بل سيكشف عن شراسة غير مسبوقة، سواء بما يتعلق بالإنفاق العسكري لدول حلف شمال الأطلسي، أو في دور الولايات المتحدة في القارّة الأوروبية، تحديداً بعد بدء الغزو الروسي أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022. يحقّ للأوروبيين الشعور بالريبة من عودة ترامب. دائماً ما كان الرجل ينتقدُهم ويدعو إلى التراجع خطوة إلى الوراء من أجل "أميركا أولاً".

وإذا كان الأوروبيون متوجّسين، فإن أوكرانيا ستشعر بالرعب في حال أوقف ترامب مدّها بالسلاح، لأن أي نقصٍ في إمداد كييف بالأسلحة الأميركية يعني تجميداً غير معلنٍ للحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع احتمالات حصول مفاوضاتٍ تناسب روسيا، سواء لناحية إرغام كييف على التخلي عن أجزاء من أراضيها، أو لناحية إغلاق باب عضويتها في حلف شمال الأطلسي مستقبلاً.

بعيداً عن أوروبا، يسبّب الشرق الأوسط ومضائقه هلعاً اقتصادياً كبيراً في الغرب، إذ من تداعيات العدوان الإسرائيلي على غزّة أن مضيق باب المندب بات مسكونا بالمخاطر، مع ما يحمله من أكلاف اقتصادية لا تبدو دول هذا الإقليم ولا أوروبا قادرة على تحمّله. وفي الشرق الأوسط أيضاً، لم ينتهِ الملف النووي الإيراني، ولا تحقق الحلّ العادل للقضية الفلسطينية. في أقصى الشرق الآسيوي، تسنّ كوريا الشمالية أسنان صواريخها، وترفع الصين وتيرة تهديداتها لتايوان.

هل سيغيّر وصول ترامب شيئاً ما؟ لفهم هذا السؤال، تجب العودة إلى 6 يناير/ كانون الثاني 2021، حين اقتحم أنصار الرئيس السابق مقرّ الكونغرس، مهدّدين الديمقراطية الأميركية في معقلها. سعى ترامب مراراً إلى إبعاد نفسه عن الواجهة في مسألة الاقتحام، من دون التراجع عن اتهامه، بلا أدلّة، بحصول تزوير في رئاسيات 2020. سيكون ترامب أقربَ إلى شخصٍ يحقق ثأراً داخلياً، وسينقل الولايات المتحدة في ملفاتها الداخلية من حال إلى أخرى، وليس بالضرورة أن تكون إيجابية.

كذلك، في أوكرانيا لن يكون الرئيس الأميركي الذي سيسلّم بسيطرة روسيا على أراضٍ أوكرانية، رغم أنه سيوحي بتقديم خطط وعروض سلام، غير أنه سيتمسّك بواقع أن "روسيا تحتل أوكرانيا". لن يذهب بعيداً في الملف النووي الإيراني، بل سينطلق من حيث توقّف، حين انسحب من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018. تتنازل إيران، فتتنازل أميركا. طبعاً، سيحتفظ بالموقف الأميركي الرافض استقلال تايوان، من دون التخلي عنها، لكنه سيفرض المزيد من الضرائب على البضائع الصينية. حتى أنه لن يتأخّر في إعادة ربط العلاقة مع كوريا الشمالية، التي لن تجد أفضل منه لنجدتها اقتصادياً.

أما في الشرق الأوسط، سيطاول منطق الثأر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ترامب، صانع "صفقة القرن" وموقّع وثيقة "القدس عاصمة أبدية لإسرائيل" والمعترف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري، سينتقم من نتنياهو الذي تخلّى عنه، في حال استمرّ الأخير في منصبه إلى حين بدء ولاية ترامب. لكن ترامب نفسه لن يتردد في الذهاب بعيداً والدفع باتجاه قيام دولة فلسطينية، في مقابل حماية أمنية شاملة لإسرائيل. في النهاية، عقلية رجل الأعمال ومنطق إجراء الصفقات يحكمه. غير أن الخشية الوحيدة هنا لا تكمن في عودة ترامب إلى السلطة، بل في خسارته الرئاسيات.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".