ليبيا: نهاية متوقّعة لحكومة باشاغا

19 مايو 2023

فتحي باشاغا في مقر إدارته في سرت شمال ليبيا (30/9/2022/Getty)

+ الخط -

أعلن مجلس النواب الليبي عن إيقاف فتحي باشاغا عن رئاسة الحكومة وإحالته إلى التحقيق. وذلك بعد سنة كاملة من إقرار الحكومة الموازية في مارس/ آذار 2022، بمثابة إقرار لأمر واقع، أن الحكومة التي دعمها البرلمان لتكون بديلا لحكومة عبد الحميد الدبيبة كانت خيارا فاشلا ولا يملك شروط النجاح ولا الاستمرارية.

بعد عجز قوات خليفة حفتر عن الدخول إلى العاصمة طرابلس، وفرض واقع سياسي جديد، ظهر توجّه لدى حلفائه السياسيين نحو البحث عن شخصية سياسية نافذة في المنطقة الغربية يمكن من خلالها حكم كامل الجغرافيا الليبية، وهكذا جاء فتحي باشاغا الذي كان وزيرا للداخلية في حكومة الدبيبة، ليكون في نظر البرلمان الليبي، ومن خلفه حفتر، العصفور النادر الذي سيتمكّن من الدخول من العاصمة باعتبار نفوذه السابق في المنطقة الغربية. ومع فشل محاولات فتحي باشاغا في الدخول إلى طرابلس، فقد فعليا الورقة التي كان يساوم بها من أجل فرض استمراره رئيسا لحكومة محاصصة ولدت منذ البداية وفق شروط ضامنة لاستمراريتها، أي أن يقبل البرلمان بشخصية كانت مناوئة لها مقابل أن يضمن هذا الحليف مفاتيح طرابلس.

واقعيا، يظل فتحي باشاغا الخاسر الأكبر من الناحية السياسية، باعتباره قد فقد نفوذه التقليدي في المنطقة الغربية. وفي الوقت ذاته تخلى عنه حلفاؤه المفترضون، بل وأصبح مطلوبا لديهم بتهم الفساد وسوء التصرّف في الميزانية. ولم تكن الحكومة التي قادها باشاغا قادرة على أن تنجز شيئا مهما في ظل أنها مجرّد سلطة موازية لا تحظى باعتراف دولي، وفشلت في الحكم من طرابلس، ولم تكن قادرة على حكم المناطق الخاضعة لخليفة حفتر الذي كان الحاكم الفعلي، ولم يتنازل عن سلطاته الواسعة في إدارة الجغرافيا الخاضعة لقواته. في المقابل، تواصلت المساعي لإيجاد نوع من التفاهمات بين عبد الحميد الدبيبة وخليفة حفتر للوصول إلى نوع من السلطة المشتركة، وصولا إلى الإدارة المشتركة للبلاد في انتظار إنجاز الانتخابات المؤجلة.

ما يجري في ليبيا حاليا مجرّد فصل جديد من التنازع بين الأطراف المختلفة

سيولة الواقع السياسي وتغير التحالفات بشكل دائم والتدخل الدولي الذي يحاول ترتيب المشهد الليبي وفق المصالح الإقليمية والدولية المتضاربة أفضت إلى التضحية بشخصيات سياسية متعدّدة لصالح اللاعبين الأساسيين المدعومين خارجيا. ومثلما جرى التخلي عن رئيس الحكومة الموازية في الشرق، عبدالله الثني، لصالح حكومة فتحي باشاغا، جرى التخلي عن هذا الأخير في ظل ما يتواتر من أخبار عن المفاوضات الحاصلة في القاهرة بين أحد أبناء خليفة حفتر وممثلي قوى موالية لرئيس حكومة طرابلس، عبد الحميد الدبيبة وهو أمر ستكون له تبعاته السياسية على الأرض. ولعل استبعاد فتحي باشاغا هو أحد مظاهرها الأولية، فالأزمة الليبية متشابكة ومعقدة باعتبار طبيعة التجاذبات التي تتدخّل في صناعتها، فبالإضافة إلى القوى السياسية، ثمّة تأثير المليشيات المسلحة في الشرق والغرب والاعتراف الدولي الذي تحظى به حكومة الوحدة الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. وإذا أضفنا إليها مشكلات صياغة الدستور الجديد والقانون الانتخابي وما يتداول من حديثٍ عن البطاقات الوطنية المزوّرة، والتي سيكون لها أثرها على أي عملية انتخابية، فإن الوضع الليبي مرشّح لمزيد من التعقيد ولا يمكن توقع انفراجة قريبة، فالانتخابات أصبحت بعيدة عن التحقّق، فشروطها اللازمة غير متحققة، بل ولا توجد جهود فعلية لتحقيقها.

محاولة بعض القوى الدولية إيجاد نوع من التوافق بين خليفة حفتر وحكومة عبد الحميد الدبيبة حتى وإن ساهمت في تعديلات حكومية وفق محاصصة بين الطرفين، فإنها في الواقع لن تؤدّي إلى حل نهائي للأزمة الليبية. لسببين: محاولة استبعاد القوى المسلحة في الغرب الليبي من أي صفقة سياسية لن يُكتب لها النجاح. والانتخابات لن تتحقق بمجرّد الاتفاق بين هذين الطرفين، وإنما ينبغي أن تتوفر شروطها القانونية والواقعية.

ما يجري في ليبيا حاليا هو مجرّد فصل جديد من التنازع بين الأطراف المختلفة، وستستمر فوضى التجاذبات وحالة التنازع على النفوذ بين القوى المحلية المختلفة والجهات الدولية الداعمة لها، على أمل الوصول إلى نوع من الحل التوافقي المفروض دوليا، والذي يحفظ لكل القوى مصالحها بعيدا عن فكرة المغالبة التي تفترض هيمنة طرفٍ محدّد على ليبيا وإقصاء بقية الأطراف الأخرى.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.