ليبيا العالقة بين القاهرة وواشنطن
خلال أشهر قليلة مضت، بدأت ليبيا، للمرّة الأولى، تتحوّل إلى أزمة صامتة بين القاهرة وواشنطن، ومنذ مقتل السفير الأميركي وآخرين في هجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي (11 سبتمبر/ أيلول 2012)، وواشنطن تتعامل مع الملف الليبي بحذر كبير، وهو ما أسهم، في النهاية، في تدخلات إقليمية ودولية وصلت قمتها بدخول مرتزقة فاغنر الروسية شرق البلاد، ما شكّل جرس إنذار تجاهلته، عمداً، إدارة دونالد ترامب التي لم تجد ما يستحقّ الاكتراث في ثقب أسود يتسع. ومع التدخل التركي في ليبيا، ثمّة ما يبرّر اعتبار القبول الأميركي الصامت للدور التركي انتباهاً متأخراً إلى خطورة وضع ليبيا النفطية الشاسعة، ذات الحدود الطويلة المفتوحة على جنوب الصحراء، والسواحل الطويلة التي يمكن أن تصل عبرها مخاطر كبيرة إلى أوروبا، لكن أزمة الطاقة التي تسبّبت فيها حرب أوكرانيا وضعت ليبيا، فجأة، على قائمة الملفات الأميركية المهمة.
تحدثت باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأميركي، في زيارتها القاهرة 13 الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الثاني)، بوضوح، عن خلاف أميركي مصري بشأن رئيس حكومة الوحدة، عبد الحميد الدبيبة، المدعومة من تركيا والإمارات، واعتبرت المسؤولة الأميركية أن "الأهم هو إتاحة الفرصة لثلاثة ملايين ناخب للتصويت من أجل إقامة حكومة موحّدة". وبحسبها "تدعم مصر منافس الدبيبة، فتحي باشاغا، الذي يترأّس حكومة موازية في الشرق". وقالت: "أخبرتُ المسؤولين المصريين بأننا نرى مسؤولية في تحالف أكبر عدد من الدول الأجنبية صاحبة المصلحة في ليبيا، حتى يتمكّن باتيلي [الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا، عبد الله باتيلي] من القيام بعمله. وفي 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى تحليلاً مهماً (بتوقيع ديفيد شينكر وبين فيشمان) عن زيارة الرئيس الأميركي، بايدن، مصر، أورد أن الرئيسين سيناقشان قضايا بينها ليبيا. وبحسب المعهد اليميني المؤثر في نخبة صناعة القرار الأميركية "لا تلعب القاهرة دوراً مفيداً... فوفقاً لإحدى دراسات الأمم المتحدة، من شأن استقرار دولة ليبيا المجاورة أن يُضيف 100 مليار دولار إلى الاقتصاد المصري، ويقلل من معدل البطالة في مصر بنسبة 9%، ويزيد الاستثمار فيها بنسبة 6% في غضون أربع سنوات". ولكن "القاهرة تصرّ على رفضها المتعنّت كثيراً من مقاربات المجتمع الدولي تجاه ليبيا. فمصر هي الدولة الوحيدة التي تعترف بالحكومة الموازية القائمة في الشرق". "وبينما تواصل الولايات المتحدة وشركاؤها الآخرون ممارسة الضغوط من أجل إجراء انتخابات يمكنها إضفاء شرعية طال انتظارها على حكومة ليبية، لا تزال مصر تعوق هذا التقدّم... لذلك على الرئيس بايدن الضغط على السيسي لدعم ليبيا موحدة".
قد تصبح القاهرة أمام حكومة ليبية منتخبة، مدعومة دولياً، وتربطها بدولة الجوار علاقة متوترة
والمفتاح الرئيس لفهم التحوّل فكرة يتسع نطاق القناعة لها جداً في واشنطن، مفادها بأن "تحقيق الاستقرار في ليبيا قد يساعد أيضاً في تعزيز أمن الطاقة العالمي". ومع أزمة الخلاف بين واشنطن و"أوبك بلس" حول خفض إنتاج النفط، والارتفاع الكبير في أسعار النفط، بكل تداعياتها، أصبح هناك مزيد من الخبراء يؤكّدون أن المزيد من ضخّ النفط الليبي أفضل وسيلة لخفض الأسعار بعد الأزمة أخيراً مع "أوبك بلس". وتجعل هذه الحقيقة بقاء ليبيا عالقة بين القاهرة وواشنطن تحدياً كبيراً لعلاقات البلدين. والمعطيات المنقولة من المصدرين المشار إليهما تطرح تساؤلات حول مبرّرات استمرار هذا الخلاف المصري الأميركي، وخاصة أن الإمارات، مثلاً، أعادت النظر، أخيراً، في موقفها من تحالف خليفة حفتر/ عقيلة صالح، وانتقلت من مواجهة تركيا إلى مهادنتها، بينما وصلت العلاقات المصرية التركية إلى طريق شبه مسدود!
الدور المصري في ليبيا، بعد أن كان مستظلاً بمظلة تحالف مصري/ إماراتي/ فرنسي/ يوناني/ روسي، يوشك أن يصبح مستظلاً بتحالفٍ مع اليونان وحدها. ومع ازدياد أزمة النفط والغاز العالمية حدة، من المرجّح أن تتّسع جبهة التحالف الدولي الداعم لانتخابات ليبية قريبة، ما قد يجعل القاهرة، بعد قليل، أمام حكومة ليبية منتخبة، مدعومة دولياً، وتربطها بدولة الجوار الأهم علاقة متوترة. وما ينشر منذ ما يقرب من عام عن مساراتٍ محتملة لخط لنقل جزء من الغاز النيجيري إلى أوروبا عبر ليبيا، قد يجعل استقرار ليبيا أكثر أهمية للاتحاد الأوروبي كله، وتهديدات حفتر بالحرب تؤكد خطورة بقاء ليبيا عالقة بين القاهرة وواشنطن.